تاريخ حافل بالإنجازات.. 65 عاما على أول بث للتلفزيون المصري

في مثل هذا اليوم من عام 1960، أعلن مذيع التلفزيون المصري انطلاق “هنا القاهرة”، ليبدأ فصل جديد في تاريخ الإعلام العربي. جرى أول بث رسمي للتلفزيون المصري يوم 21 يوليو، متزامناً مع احتفالات ثورة 23 يوليو، مما جعل هذا اليوم علامة فارقة في الوجدان المصري والعربي.

في تمام الساعة السابعة مساءً، عُرضت أول صورة بالأبيض والأسود على شاشة التلفزيون المصري من قلب مبنى ماسبيرو الواقع على ضفاف نهر النيل وسط القاهرة. سُمّي المبنى تيمناً بعالم الآثار الفرنسي الشهير جاستون ماسبيرو تقديراً لإسهاماته في توثيق الحضارة المصرية القديمة. بدأ البث الذي استمر ست ساعات يومياً بتلاوة آيات من القرآن الكريم بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوي، ثم ألقى المذيع صلاح زكي كلمة شهيرة: “اليوم أعلن مولد التلفزيون العربي من القاهرة”. توالت الفقرات بعرض حفل افتتاح مجلس الأمة وخطاب الرئيس جمال عبد الناصر ومشاهد الاحتفالات والنشيد الوطني ونشرة الأخبار وختام بالقرآن الكريم.

بداية فكرة تأسيس التلفزيون

انطلقت فكرة تأسيس التلفزيون المصري رسمياً عام 1954 عندما تقدم الصاغ صلاح سالم بمقترح إلى الرئيس جمال عبدالناصر لإنشاء محطة إذاعية وتلفزيونية تقام على جبل المقطم. وفي عام 1959 بدأ العمل الفعلي، وانطلقت أولى إشارات البث من مبنى ماسبيرو المقام على مساحة كبيرة في إطار سعي الدولة لتحديث أدوات الخطاب الجماهيري وتوظيف الإعلام كقوة ناعمة لتعزيز الهوية ومواكبة تحولات العصر.

التحضيرات التقنية والبنية التحتية

رغم ندرة الوثائق المصورة منذ الانطلاق، فإن شهادات العاملين الأوائل وما وثقته الأفلام التسجيلية ترسم صورة دقيقة للغرفة التي شهدت ميلاد التلفزيون المصري. كانت الغرفة مجهزة بجدران مزدوجة العزل لضمان نقاء الصوت ومنع تسرب الذبذبات واحتوت على طاولة تحكم خشبية ضخمة وكاميرا ثابتة لنقل الصورة للمشاهدين المنتظرين أمام شاشات قليلة العدد لكن مليئة بالشغف.

التطور المستمر والتوسع الإقليمي والفضائي

أشرف الدكتور ثروت عكاشة وزير الإرشاد القومي آنذاك على المشروع بمشاركة نخبة إعلامية وتقنية واعية بأهمية التحول الجذري. بعد عام واحد ارتفعت ساعات البث إلى 13 ساعة يومياً ثم أطلقت القناة الثانية والثالثة لزيادة الإجمالي إلى نحو 30 ساعة يومياً. تطور البث للألوان عبر نظام سيكام في 1976 وتحول لبال في 1992 وبدأ إطلاق قنوات إقليمية كالسويس والإسكندرية وأخرى فضائية كالنيل الدولية لتعزيز الحوار الثقافي الدولي.

شهد التلفزيون بروز إعلاميين تركوا بصمتهم مثل فوزية العباسي وليلى طاهر وحمدي قنديل الذين أثروا برامج متنوعة وجماهير واسعة ولم يغب عن تاريخها أسماء قيادية بارزة تولّت رئاسة المؤسسة وساهمت بتطويرها حتى تحويلها للهيئة الوطنية للإعلام التي تشرف حالياً عليها بكل تنوعاتها الوطنية والإقليمية والفضائية.

وانطلق أيضاً إنتاج المسلسلات الشهيرة التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي مثل “ليالي الحلمية” و”رأفت الهجان”. يحتفى سنويا بذكرى الانطلاق عبر تقديم برامج خاصة وعروض وثائقية لتكريم رموز الإعلام وإعادة عرض لقطات أرشيفية تعيد ذاكرة المشاهد لأول لحظات الانطلاقة المضيئة بتاريخ الإعلام الوطني والتي شكلت وعينا الجمعي ووثق لحظات وطن مر بها بين تحديات وإنجازات بقيادة حكيمة ورؤية واضحة للأمام.