خلال اليومين الماضيين، تعرضت محافظة القنيطرة لعملية توغل بري من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، حيث تزامنت هذه التحركات مع تجريف للأحراش الواقعة في الجهتين الشمالية والغربية من محمية جباتا الخشب. كما تم قطع الطرقات بإقامة حواجز مؤقتة في عدة قرى وبلدات بالمحافظة.
وفي خطوة مقلقة، استولت قوات الاحتلال على برج مراقبة سلامة المحمية المخصص لمكافحة الحرائق وقامت بتثبيت نقطة عسكرية عليه.
مواضيع مشابهة: مصرف لبنان يعلن عن تعليمات جديدة للسحوبات في مايو 2025
وأشار الناشط كيوان إلى أن المحمية الطبيعية، التي تشمل جزأيها الشمالي والغربي، تحتوي على أشجار صنوبر وسنديان يعود تاريخها لمئات السنين. تعتبر هذه الأشجار رئة محافظة القنيطرة، وتجريفها يهدد المحافظة بكارثة بيئية وتغيير جذري في طبيعة المنطقة المناخية.
أوامر إخلاء
تحتوي المناطق المحيطة بمحمية جباتا الخشب على منازل وأراضٍ زراعية تُستخدم لزراعة الأشجار المثمرة وتربية المواشي. وفي ثالث أيام عيد الأضحى (8 حزيران الجاري)، توغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي وأعطت مهلة ساعة فقط لإخلاء البيوت المحيطة بالمحمية تمهيدًا لبدء عمليات التجريف.
وقال الناشط أحمد كيوان الذي فقد عشرة دونمات من أرضه في جباتا الخشب إن العديد من سكان القنيطرة فقدوا منازلهم وأراضيهم الزراعية نتيجة للتجريف والتخريب الممنهج للسيطرة عليها بهدف إنشاء قواعد عسكرية ونقاط مراقبة.
إنذار الإخلاء جاء تمهيدًا لتجريف الموقع بالكامل، والذي يضم أكثر من 13 عائلة تعيش فيه، حسبما أفاد ديب.
بالإضافة إلى ذلك، حفرت قوات الاحتلال خندقًا بعمق ستة أمتار تحت الأرض وأنشأت ساترًا بجانبه بطول أربعة أمتار، مما أثار تساؤلات بين أهالي القنيطرة حول الهدف الحقيقي وراء هذا الإجراء.
كم تبلغ مساحة الأراضي المجرفة؟
قال ديب: “ظن السكان أن إسرائيل توقفت عن عمليات التجريف لكننا تفاجأنا ببدء الأعمال مجددًا”، مشيرًا إلى غابة طرنجة التي تمتد على مساحة 330 هكتار ومحمية جباتا الخشب التي تبلغ مساحتها 1330 دونمًا.
لقد جرفت إسرائيل نحو 1000 دونم من محمية جباتا الخشب التي تُعتبر واحدة من المحميات النموذجية في سوريا. كما تم نقل أشجار السنديان الطبيعي التي اقتُطعت من المحمية إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، وفقًا لديب.
منذ سيطرتها على القنيطرة، قامت قوات الاحتلال بتجريف 1860 دونمًا من أحراج الصنوبر في بلدة كودنه منذ شهرين، بالإضافة إلى تجريف 50 دونمًا من الطريق الذي يربط مدينة السلام بالقنيطرة والذي يحتوي أيضًا على أشجار الكينا والسرو.
وذكر أحمد ديب أن المجتمع المحلي ومديرية الزراعة في القنيطرة تواصلوا مع وزير الزراعة الذي بدوره اتصل بالرئاسة السورية للتدخل ووقف الانتهاكات الإسرائيلية والحد من تجريف الأراضي الزراعية التي تعود ملكيتها للدولة السورية ويستخدمها المواطنون لرعي الماشية والزراعة.
وأكد ديب أن وزير الزراعة وعد أهالي القنيطرة بأن الحكومة السورية ستتفاوض مع الجهات المعنية لإيقاف الانتهاكات الإسرائيلية.
انتهاك للقانون الدولي
الواقع الحالي في محمية جباتا الخشب ليس الحادثة الأولى؛ فقد سبق وتم تجريف محمية أخرى في قرية كودنة. ولا تعتبر هذه الأفعال مجرد تعديات عابرة بل هي ممارسات ممنهجة تشكل “جرائم حرب” بحق الأراضي السورية. يجب على المجتمع الدولي التحرك لمنع استمرارها، بحسب نسرين.
وفق ميثاق محكمة نورنبرغ العسكرية الدولية لعام 1945 وبالتحديد المادة 6 المتعلقة بانتهاكات قوانين الحرب وأعرافها، يُعتبر “تدمير المدن أو القرى” و”التدمير الذي لا تبرره الضرورات العسكرية” نوعًا من جرائم الحرب.
أما بالنسبة لموقف الحكومة الحالية تجاه ما يحدث في القنيطرة، فأوضحت نسرين أنه هناك تهميش وإهمال غير مبرر؛ إذ تمت تغيير أكثر من محافظ خلال فترة زمنية قصيرة رغم أن القنيطرة كانت دائمًا محافظة ذات ثقل سياسي كبير ولها دور محوري في القضية السورية.
مواضيع مشابهة: تحديث البطاقة التموينية الإلكترونية لعام 2025 عبر منصة آور
وأضافت أنه رغم زيارات بروتوكولية محدودة لبعض الوزراء إلى المنطقة إلا أن الاحتلال الإسرائيلي كان لا يبعد عنهم سوى أمتار قليلة. ومع ذلك “لم نلمس أي خطوات عملية تعكس حضور الحكومة الحقيقي وثقلها في هذه المنطقة الحساسة”.
إن الغموض والتجاهل للوضع في القنيطرة قد أثر سلبًا على الأهالي الذين يشعرون بأنهم تُركوا وحدهم لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وكأن المحافظة لم تعد تحظى بأولوية لدى الحكومة الحالية وفق نسرين.
وأشارت إلى أن أهالي القنيطرة فقدوا مصدر دخل اقتصادي بالغ الأهمية وربما المصدر الوحيد للبعض سواء عبر الزراعة أو استخدام الأراضي للرعي وتربية المواشي. هذه الخسارة أثرت بشكل مباشر على مستوى معيشة الناس هناك.
نيات احتلال
يرى أبو صالح أن احتلال إسرائيل للجولان منذ عامي 1967 و1974 يشبه ما تقوم به اليوم إسرائيل بالاحتفاظ بأجزاء كبيرة من مرتفعات جبل الشيخ ومساحات شاسعة من محافظة القنيطرة ومنطقة شمال غربي درعا. تهدف هذه السياسات إلى إجبار بعض السكان على التخلي عن أراضيهم بحجة البحث عن مسلحين قد يستخدمون الأسلحة ضدها مما أدى إلى تجريف مئات الدونمات هناك.
هذا التجريف يسعى لتحويل المنطقة إلى منطقة صحراوية لتسهيل المراقبة وهو يعني أيضًا القضاء على أهم مصدرين لمعيشة أبناء المنطقة هما الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية وتحويل التربة الخصبة إلى أراضٍ ملوثة وغير مؤهلة للإنتاج مرة أخرى بحسب أبو صالح.
يعتقد سمير أبو صالح أن جميع الإجراءات الميدانية التي تتخذها إسرائيل تهدف لاحتلال المنطقة لأطول فترة ممكنة مستغلة الوضع السياسي والعسكري الراهن وهو ما يفسر إقامة عدد كبير من المعسكرات ونقاط المراقبة هناك.
إن إنشاء إسرائيل مراصد متطورة ومهابط طائرات فضلاً عن مراكز وخدمات عسكرية لأعداد كبيرة يشير بوضوح إلى أنها تنوي البقاء لفترة طويلة رغم التصريحات المتكررة بأنها ترغب بالتفاوض وفق أبو صالح.”