رغم التفاهمات… “قسد” تواصل التجنيد والتدريب المستمر

أخّرت مطالب “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الحكومة السورية الجديدة، مسار المفاوضات بين الطرفين. لكن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في مارس الماضي أعطى انطباعًا بأن الإشكالية قد تم حلها. ومع ذلك، استمرت تحركات “قسد” وتأكيدها على وجودها ككيان عسكري موحد داخل الجيش السوري الجديد.

في الوقت الذي يُفترض أن تتجه فيه “قسد” نحو الاندماج في مؤسسات الدولة السورية، تواصل تنفيذ عمليات عسكرية وتجنيد الجديد من المقاتلين. هذا الأمر يثير تساؤلات جدية حول مستقبل الاتفاق المبرم بينها وبين دمشق.

الاتفاق الذي عُقد بين عبدي والشرع، في آذار الماضي، نصّ على دمج “قسد” ضمن وزارة الدفاع وضم “الإدارة الذاتية” إلى المؤسسات الرسمية للدولة. ومع ذلك، لم يوقف هذا الاتفاق الأنشطة العسكرية التقليدية لـ”قسد”.

منذ توقيع الاتفاق، ارتفعت وتيرة عمليات التدريب والإعلان عن الانتساب إلى صفوفها، مما يُظهر تمسكًا واضحًا من قبل “قسد” بهيكلها العسكري، بالرغم من المسار المعلن نحو الاندماج مع الجيش السوري.

نشاطات مكثفة على الأرض

بعد 13 يومًا من توقيع الاتفاق بين الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع والقائد العام لـ”قسد” مظلوم عبدي، أطلقت “قسد” في 23 من مارس الماضي، عملية عسكرية اعتُبرت بمثابة إشارة واضحة على أن الاتفاق لم يوقف أو يجمّد.

لاحقًا، وتحديدًا في 14 من أبريل الماضي، أعلنت قيادة الأكاديميات العسكرية التابعة لـ”قسد” في منطقة الفرات عن فتح باب الانتساب، رغم أن المفاوضات كانت لا تزال في بداياتها حول آلية الدمج وتسليم الصلاحيات.

في 5 من مايو الحالي، نشرت “قسد” إعلانًا يدعو الشباب للانتساب إلى قوات الحماية الذاتية، مستخدمة لغة تعبويّة واضحة، قالت فيها: “من أجل وطن ينعم بالأمن والاستقرار، كن السند الحقيقي لأرضك وشعبك (…) كن جزءًا من درع الوطن الحصين”.

أيضًا في 13 من مايو، أعلنت “قسد” عن تخريج دفعة جديدة من المقاتلين في مدينة الطبقة، عبر “قوات جبهة الأكراد” التابعة لها، والتي ضمت 70 مقاتلًا. جاء هذا الإعلان伴ًا بتصعيد الخطاب الإعلامي حول التهديدات الأمنية المستمرة، خاصة من تركيا.

في 18 من الشهر نفسه، أعلنت “قسد” عن بدء انتساب جديد، مؤكدة: “كن مقاتلًا في قوات سوريا الديمقراطية لتشارك في بناء مستقبل سوريا الحديثة”. هذا يعكس توجهًا سياسيًا وعسكريًا للاستمرار في التوسع التنظيمي، مع التركيز على منح الشباب دورًا في صياغة مستقبل الإقليم.

في 21 من مايو، أعلنت أكاديمية “الشهيد جايان” التابعة لـ”قسد” عن تخرج 64 مقاتلًا، مما يرفع عدد المقاتلين الذين أعلنت “قسد” عن تخريجهم منذ مارس الماضي إلى أكثر من 130 عنصرًا، فضلاً عن المجندين الجدد الذين هم قيد التدريب.

“قسد” تُعيد الهيكلة وتُعزز موقفها التفاوضي

لا يزال المشهد العام فيما يتعلق باتفاق الشرع- عبدي غامضًا، حيث لم تخرج تفاصيل كثيرة عنه حتى الآن، بينما تسير الأطراف ببطء وتتبادل الاتهامات بشأن الانتهاكات.

تتهم “الإدارة الذاتية” الحكومة السورية الجديدة بأنها “إقصائية”، رغم محاولات التواصل بينها، في حين تعتبر الحكومة أن مطالب “قسد” تهدد وحدة البلاد.

يرى الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، نوار شعبان، أن استمرار “قسد” في تجنيد المقاتلين وتنظيم الدورات التدريبية يعكس رغبة واضحة في الحفاظ على تماسكها الداخلي، وتقديم نفسها كقوة موحدة قادرة على الدفاع عن مناطق سيطرتها في ظل الظروف المتغيرة.

خلال الأشهر الماضية، طالبت “قسد” بالاندماج في وزارة الدفاع السورية ككتلة عسكرية واحدة، مركزّة في مناطق سيطرتها الحالية، وهو ما رفضته الحكومة السورية بشكل متكرر.

وأشار الباحث شعبان إلى أن الخلاف بين الطرفين لا يزال مستمرًا، خاصة حول مسائل السلاح والقيادة، حيث تصر “قسد” على الاحتفاظ بسلاحها، بينما ترفض دمشق أي صيغة تسمح بوجود كيان عسكري مستقل ضمن الجيش النظامي.

قال شعبان إن استمرار “قسد” في أنشطتها العسكرية يعد “خطة بديلة” تحسبًا لفشل الاتفاق أو تعثر تنفيذه، خاصة في ظل التهديدات الأمنية المستمرة من تنظيم “الدولة الإسلامية” والضغط التركي.

مساعٍ لضمان البقاء

بعد خروج الصورة الأولى التي جمعت بين الشرع وعبدي في 10 من مارس الماضي، نشرت رئاسة الجمهورية نص الاتفاق المتمثل في وقف إطلاق النار في جميع الأراضي السورية، ودمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة، بما في ذلك المعابر الحدودية ومناطق النفط والغاز.

وفقًا لما جاء في ثمانية بنود، اتفق الجانبان على رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين جميع مكونات المجتمع السوري.

أوضح أن “قسد” لم توافق على حل قواتها، بل اقترحت دمج هذه القوات ضمن الجيش السوري، من خلال تشكيل فيلق أو فرقتين عسكريتين تتبعان رسميًا للجيش، لكنهما تبقيان بهيكل تنظيمي خاص.

يرى شيخ علي أن هذا الطرح يعد نقطة تفاوضية هامة، إذ لا تسعى “قسد” للتخلي عن هياكلها، بل لإعادة توظيفها ضمن إطار رسمي يضمن بقائها وتأثيرها.

وذكر أن العمليات الجارية للتجنيد والتدريب من قبل “قسد” في شمال شرقي سوريا، إلى جانب دعم الولايات المتحدة المستمر لها في جهود مكافحة تنظيم “الدولة”، يمنحها هامشًا أوسع للمناورة وقدرة أكبر على الاستمرار دون الالتزام الصارم بخطوات الدمج الفوري.

اعتبر الباحث أن الرسائل التي تحاول “قسد” إيصالها إلى حاضنتها الشعبية تتمثل في التأكيد على أنها “لا تزال قوية”، ولن تذوب في المؤسسة العسكرية السورية، بل ستبقى جزءًا فاعلًا فيها بشروطها، لا كأفراد منفصلين.

اندماج ظاهري

في ظل استمرار الأنشطة العسكرية وعمليات التجنيد، يعتقد الباحثون أن “قسد” تتبع استراتيجية مزدوجة: السير في مسار سياسي معلن نحو الدمج، مع الإبقاء على قدراتها العسكرية والتنظيمية قائمة ومتنامية.

بينما تسعى دمشق لتفكيك الهياكل العسكرية المستقلة، تتجه “قسد” نحو تكريس واقع عسكري يصعب تفكيكه، معتمدةً على الدعم الخارجي والواقع الفعلي للسيطرة على الأرض.

يبقى تنفيذ الاتفاق مرهونًا بقدرة الطرفين على تجاوز الخلافات حول القيادة والهيكلة، وهو ما يبدو بعيد المنال في الأفق القريب، خاصة في ظل إصرار كل طرف على تثبيت مكاسبه قبل أي خطوة نهائية.