السمنة ليست مجرد مشكلة جمالية، بل هي بوابة لأمراض مزمنة قد تظهر في وقت مبكر مثل السكري من النوع الثاني وارتفاع ضغط الدم، بالإضافة إلى تشوهات العظام والمفاصل. وقد أكدت الدراسات الطبية ذلك بشكل واضح. وفي حديثها لـ«عكاظ»، أوضحت استشارية طب طوارئ الأطفال الدكتورة مشاعل العُمري أن السمنة لدى الأطفال تمثل أحد أكبر التحديات الصحية في القرن الحادي والعشرين. تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 39 مليون طفل دون سن الخامسة عانوا من السمنة أو زيادة الوزن في عام 2020م، مما يعكس أبعاداً صحية ونفسية واجتماعية خطيرة ترتبط بزيادة معدلات الأمراض المزمنة.
وفقاً للدكتورة مشاعل، فإن الصورة في المملكة العربية السعودية لا تختلف كثيرًا. حيث أظهرت المؤشرات المحلية أن المشكلة تتفاقم، إذ كشفت هيئة الإحصاء السعودية في تقريرها لعام 2024م عن معاناة نحو 14.6% من الأطفال السعوديين الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و14 عامًا من السمنة، بينما يعاني 33.3% منهم من زيادة الوزن.
من نفس التصنيف: استعد لاستكشاف تأثير الهوية الوطنية على دعم برنامج حساب المواطن!
الإحصائيات تكشف الأبعاد الخطيرة
تشير دراسة وطنية واسعة شملت أكثر من 350 ألف طفل ومراهق إلى أن حوالي 9.4% منهم مصابون بالسمنة، و11.2% بزيادة الوزن، مع نسب أعلى بين الفئة العمرية من 2 إلى 6 سنوات (12.3%) وفروق واضحة بين الذكور (10.4%) والإناث (8.3%). توضح التحليلات أن نمط الحياة له تأثير كبير على هذه الظاهرة؛ مثل قضاء ساعات طويلة أمام الشاشات وقلة النشاط البدني وزيادة استهلاك الوجبات السريعة والمشروبات المحلاة.
تأثير البيئة الأسرية
هناك دور رئيسي تلعبه البيئة الأسرية فيما يتعلق باحتمالية إصابة الطفل بالسمنة؛ فإذا كان أحد الوالدين يعاني من زيادة الوزن أو كانت هناك عادات صحية سلبية مثل التدخين، فإن ذلك يزيد من احتمالات إصابة الطفل بالسمنة.
الأثر النفسي والاجتماعي
يشير استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين الدكتور عصام بن عائل الأمير إلى التأثير النفسي العميق للسمنة على الأطفال خلال مراحل نموهم الحرجة؛ حيث يواجه العديد منهم تدني احترام الذات والعزلة الاجتماعية نتيجة التنمر أو النظرة السلبية من الأقران، مما يؤدي أحيانًا لاضطرابات نفسية كالاكتئاب والقلق واضطرابات النوم والسلوك.
مبادرات لمواجهة التحديات
لمواجهة هذه التحديات الصحية والنفسية، يرى الدكتور الأمير أنه يجب ألا تقتصر المبادرات على الجهود الفردية للأطباء والمؤسسات الصحية فقط؛ فقد أُطلقت عدة مبادرات وطنية تهدف لتحسين نمط الحياة في المدارس وتعزيز النشاط البدني والتغذية السليمة مثل برنامج «رشاقة»، الذي أُطلق عام 2016م بالتعاون بين وزارتَي الصحة والتعليم.
تعزيز التعاون الأسري والمدرسي
في إطار رؤية السعودية 2030، تسعى الجهات الصحية والتعليمية لتعزيز مكافحة السمنة عبر تطوير الأنظمة الغذائية وتوسيع الوصول للأنشطة الرياضية خاصة للفتيات وتعزيز مفهوم الحياة الصحية كركيزة أساسية لبناء جيل قوي وصحي.
التوجيه بدلاً من الضغط
أكد الدكتور الأمير أهمية التعاون بين الأسرة والمدرسة لخلق بيئة صحية تساعد الأطفال على النمو جسديًا ونفسيًا بطريقة متوازنة تدعم مستقبلهم الصحي والاجتماعي.
الطفل ليس مسؤولاً عن اختياراته الغذائية
أخصائي التغذية العلاجية إبراهيم بن دايل يشير إلى أن سمنة الطفولة لم تعد حالة مؤقتة بل أصبحت مقدمة لأمراض مزمنة قد ترافق الإنسان طوال حياته. فالأطفال الذين يعانون منها يكونون أكثر عرضة للإصابة بمشاكل عديدة تشمل السكري وأمراض القلب ومشكلات نفسية أخرى تؤثر عليهم منذ الصغر.
العوامل المؤثرة في تفشي السمنة
لا تحتاج أسباب تفشي السمنة عند الأطفال إلى دراسات معقدة لفهمها؛ فالعوامل واضحة جداً: توفر الأطعمة غير الصحية وكثرة الوقت المخصص للشاشات وقلة النشاط البدني وضعف التوعية الغذائية للأسرة كلها عوامل تساهم بشكل مباشر في المشكلة.
الحلول المقترحة للتعامل مع المشكلة
يدعو بن دايل لتعزيز برامج التوعية داخل المدارس وتشجيع الرياضة اليومية كعادة أساسية للأطفال وتنظيم إعلانات الوجبات السريعة لتكون أكثر مسؤولية تجاه صحتهم العامة.
دور الإعلام في تعزيز الوعي الصحي
الإعلامي جيلان الشمراني يؤكد أهمية دور الإعلام ليس فقط كمراقب للأحداث ولكن أيضًا كمؤثر فعال في توجيه سلوك المجتمع وخاصة القضايا المتعلقة بصحة الأسرة والطفل.
أهمية الحملات الإعلامية المستمرة
ولأن انتشار الوجبات السريعة يؤثر بشكل كبير على صحة الأطفال، يتوجب على الإعلام العمل بجد لإنتاج محتوى توعوي بسيط يناسب جميع الأعمار ويعزز خيارات الطعام الصحي ويستعرض التجارب الواقعية للعائلات المتضررة بسبب النظام الغذائي غير الصحي.
مواضيع مشابهة: اوقات العمل الجديدة في البريد السعودي في شهر رمضان الكريم 2024/1445
حبنا للوجبات السريعة.. لماذا؟
تقول شهرة الغامدي ربة المنزل: “مع الانشغال الكبير للأمهات بالعمل أصبح أطفالنا يميلون للوجبات السريعة لجاذبيتها وسرعة تحضيرها”. وفي المقابل يجد الأطفال فيها طعمًا مميزًا يجعلهم يفضلونها رغم المخاطر المرتبطة بها والتي يدركها الكثيرون منا كأهل ولكن يبقى الحوار والتفاهم هو الوسيلة المثلى للتعامل مع هذا الأمر لضمان صحة أبنائنا المستقبل.