لم تكن الدبلوماسية السعودية في الملف السوري مجرد رد فعل لحظي، بل كانت نتيجة لمسار طويل اتسم بالحذر الاستراتيجي والتموضع الهادئ. منذ بداية الأزمة، اختارت الرياض سياسة تتكيف مع تعقيدات الجغرافيا السورية وتوازنات المنطقة، مع الحفاظ على ثوابتها الأساسية: سيادة الدولة، ورفض التدخل الأجنبي، والتركيز على الحل السياسي.
في خضم التحولات الأخيرة داخل سورية، بدت المملكة وكأنها فاعل إقليمي هادئ لا يرفع صوته كثيرًا، لكنه يُحدث تأثيرًا مباشرًا على الأرض سياسيًا واجتماعيًا دون استعراض أو استقطاب.
مواضيع مشابهة: “القبض نزل” موعد صرف حساب المواطن أكتوبر 2024 /1446 وكيفية الاستعلام عن أهلية المواطن عبر portal.ca.gov.sa
سياسة الصمت النشط
اختارت السعودية عدم الانخراط في مواجهة صارخة بشأن الملف السوري وبدلاً من ذلك تبنت ما يعرف بـ”الصمت النشط”. هذا الأسلوب الدبلوماسي يعتمد على التأثير الهادئ وتحريك الأدوات السياسية من الخلف دون الحاجة إلى استعراضات علنية أو مسارات متضخمة.
هذه السياسة جعلت من الرياض نقطة توازن في صراع محكوم بالأطراف المتناقضة. فقد حافظت على مسافة واحدة من الجميع ولكنها احتفظت بقدرتها على التأثير عبر بناء قنوات سياسية هادئة مع دمشق ومع القوى الفاعلة إقليميًا ودوليًا.
منع التدخل الأجنبي
رغم تصاعد المنافسة بين القوى الخارجية على الأرض السورية، بقيت السعودية ثابتة في موقفها الاستراتيجي الرافض للتدخل العسكري الأجنبي أو فرض التغيير بالقوة. لم يكن هذا الموقف مجرد مجاملة للشرعية السورية بل كان تعبيراً عن مبدأ أوسع يتمثل في الحفاظ على استقرار الدول ورفض استخدام التدويل كأداة للفوضى.
بهذا الموقف، وضعت الرياض حدّاً فاصلاً بين الموقف السياسي والموقف الأمني؛ فهي لا تتبنى سياسات النظام السوري لكنها ترفض أيضاً تحويل سورية إلى ساحة نفوذ للقوى العابرة للحدود.
تعزيز الحل السلمي
لم يكن التحرك السعودي نحو الدفع باتجاه التسويات الداخلية مرتبطاً بحدث معين بل جاء كتراكم سياسي طويل أدى إلى قبول تدريجي من الأطراف السورية بإمكانية الحل الداخلي. لم تدفع الرياض نحو صيغة جاهزة بل دعمت فكرة الاستقرار التدريجي: وقف إطلاق النار وتهدئة مناطق النزاع ثم الدفع باتجاه المعالجات السياسية.
هذا النموذج الهادئ والذي يقوم على ترتيب الأولويات جعل من السعودية طرفاً مرحباً به حتى لدى الخصوم لأنها لا تحمل مشروعًا توسعيًا بل تُعيد تعريف دور الدولة من خلال تعزيز الاستقرار الوطني بدل الولاءات الخارجية.
رسائل غير مُعلنة:
في اللحظات التي يُعلن فيها عن تهدئة جنوبية أو استقرار في محيط السويداء، تظهر البصمة السعودية كعامل ضغط إقليمي غير معلن. فالمملكة ليست فقط جزءً من الطاولة بل تعمل على إعادة ترتيب الأمور بما يتناسب مع مفاهيم الدولة وليس الميليشيات ومع الأمن بدل الاستقطاب.
ممكن يعجبك: اغتنم فرصة التوبة وابدأ صفحة جديدة مع العفو الملكي 1446
كل تهدئة محلية ترتبط بسياق إقليمي أوسع وكل تسوية داخلية في سورية لا تخلو من تقاطع سعودي-سوري بشكل هادئ ودون وسطاء. هذه هي مكامن القوة الفعلية للدبلوماسية السعودية: التأثير من خارج مركز المعركة.
الدبلوماسية السعودية تجاه الملف السوري ليست مجرد استجابة طارئة بل هي استراتيجية تراكمية تجمع بين المبادئ والواقع. لا تدخل الرياض في الفوضى لكن تحدد الإيقاع الخاص بها ولا تملأ الشاشات بتصريحات نارية لكنها تضبط الإيقاع داخل غرف القرارات.
في زمن تتداخل فيه المصالح فوق خرائط ملتهبة، تبقى السعودية حجر التوازن الذي يمسك بخيوط الداخل السوري ليس لتشدّه نحو المحاور وإنما لإعادة ربطه بمفهوم الدولة.