العمارة التقليدية في ساحل تبوك: تراث يجسد الهوية الثقافية
تتألق محافظات ساحل تبوك بتصميمها المعماري الفريد الذي يمزج بين اللونين الأزرق والأبيض، حيث تعكس الشرفات البارزة والفناء الداخلي المكشوف إلى السماء جمالاً استثنائياً. يتكون البناء من الحجر المنقبي والنورة، مما يعكس أنماط البناء المتوارثة عبر الأجيال. هذا ما أكده المهتمون بالتراث عبدالملك عبدالكريم الحربي وناصر عبدالله حسن الصالح وبدر محمود المسلماني خلال حديثهم مع «عكاظ» عن الطراز العمراني لساحل تبوك، بما في ذلك محافظات الوجه وأملج وضباء.
تأتي هذه التفاصيل ضمن الجهود المستمرة للاحتفاء بالإرث العمراني وتعزيز جودة الحياة وتطوير المشهد الحضري في المدن السعودية، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030.
مقال له علاقة: استعد للكشف الطبي الثاني.. تحقق من اسمك وانطلق نحو صحتك خطوة بخطوة
سمات الطراز العمراني
يقول الحربي: “يتبع هوية الطراز العمراني في ساحل تبوك بعض السمات المميزة للطابع العمراني، فهو يتميز بالفناء الداخلي الذي يحيط به غالبية أجزاء البيت والأسقف العالية التي تعد من الخصائص اللافتة.” كما أضاف أن الحجر المنقبي، المستخدم بشكل شائع للبناء في منطقة الحجاز، هو المكون الأساسي للبناء. يتم جلبه من الصخور القريبة من البحر ويتطلب عملية كسر يديرها حرفي يُعرف بـ “كسار”، بينما يقوم آخر يُدعى “حجار” بتهذيبه وتسوية جوانبه قبل أن يستخدمه معلم البناء وفقاً لمخطط التصميم باستخدام مادة الطين التي تربط بين هذه الحجارة.
أسس البناء التقليدي
يدعم ناصر عبدالله الصالح هذا الكلام قائلاً: “الحجر والطين هما أساس بناء البيوت القديمة.” ويشير إلى وجود أماكن مخصصة تُعرف بـ “المكاسر”، حيث يقوم المعلم ومساعدوه بتكسير الحجارة على شكل مستطيل أو رباعي لتسهيل عملية البناء باستخدام اللِبِن (الطين). وتم إضافة بعض الأعشاب البرية لتعزيز التماسك بين الحجارة.
ويؤكد عبدالملك الحربي أن الطريقة التقليدية للبناء تعكس التراث المعماري الفريد الذي يمثل تاريخ وثقافة أهل الوجه. تُظهر أساليب البناء كيفية استغلال المواد المحلية مثل الحجر والخشب والطين، مما يعكس قدرة الإنسان على التكيف مع بيئته واستغلال الموارد الطبيعية المتاحة له. وتتميز هذه المباني بصلابتها وقدرتها على مواجهة التحديات المناخية مثل الحرارة العالية والأمطار الموسمية.
تقنيات الطلاء والتقسيم الداخلي
يوضح الحربي أن مادة الطلاء المستخدمة تسمى «النورة»، وهي عبارة عن جير مطفأ يُصنع محليًا عن طريق حرق الحجر المنقبي حتى يتحول إلى بودرة ثم يخلط مع رمال البحر ويُخمر لفترات قد تصل إلى شهرين لزيادة جودته وصلابته. تتم عملية الطلاء لكامل المنزل سواء من الخارج أو الداخل مما يساعد في تنظيم درجات الحرارة داخل المسكن.
وعن تقسيم المباني التراثية بالوجه يقول: “غالباً ما تحتوي هذه البيوت على قسم خاص بالضيوف يقع عادةً في مقدمة البيت.” يمثل هذا الركن أهمية كبيرة للضيافة المحلية ويتميز بتصميمه الواسع والرحب مع وجود «الدكة»، وهي جلسات مرتفعة مصنوعة من الحجر تحيط بالمجلس وتُغطى بأقمشة مريحة وزخرفات جميلة؛ وهذا التصميم يعبر عن العادات الاجتماعية للمنطقة ومدى تفاعل السكان مع ضيوفهم وما بينهم.
مقال له علاقة: استثمر وقتك في توثيق عداد المياه بسهولة عبر موقع nwc com sa
الفناء الداخلي والمرافق الأخرى
تتوزع بقية أجزاء البيت حول الفناء الداخلي المكشوف المعروف بـ «الحوش»، وهو تصميم تقليدي يسمح بدخول الضوء الطبيعي والهواء النقي إلى جميع الغرف مما يسهل التواصل بين أفراد الأسرة ويخلق جوًا مريحًا ومناسبًا للعائلة للاستمتاع بالطبيعة المحيطة بهم.
كما تلعب الرواشين وكثرة الشبابيك دورًا مهمًا في إضاءة المساحات الداخلية وتوفير التهوية الطبيعية، فهي ليست مجرد عناصر جمالية بل تعتبر ضرورية لخلق بيئة مريحة للسكان وتعزز الهوية الثقافية والتاريخ المحلي.
الصُفة والحنية: روح الابتكار والترابط الاجتماعي
“الصُفة” تمثل جزءاً مهماً من تصميم المبنى التراثي حيث تجمع أفراد الأسرة للتفاعل ومشاركة اللحظات السعيدة. كما تُعد نقطة التقاء اجتماعية تعكس الثقافة والهوية المجتمعية لأهل الوجه. وغالبا ما تطل على فناء البيت الداخلي مما يزيد من شعور الراحة والسعادة لكل الموجودين فيها.
استغل أهل الوجه القدماء ذكاءهم لتحويل المساحات غير الأساسية تحت السلالم إلى مستودعات صغيرة تعرف باسم «الحنية» لتخزين المواد الغذائية والأدوات المنزلية بشكل فعال يساعدهم على تنظيم حياتهم اليومية والاستفادة القصوى من كل زاوية متاحة. هذه الأفكار تظهر كيف كانت العمارة التقليدية تعبيراً عن أسلوب حياة وثقافة غنية تتضمن الجوانب العملية والجمالية بنفس الوقت.
الخوخة والترسينة: نافذتان للتواصل والحياة اليومية
Bدر المسلماني يتحدث عن “الخوخة”، نافذة صغيرة تتميز بها مساكن ساحل تبوك قديماً والتي تسهل التواصل بين النساء لجمع الحديث والمنافع دون الحاجة للخروج؛ إذ كانت تبنى بعيداً عن حرمة المنزل لتصبح وسيلة فعالة للدردشة وتبادل الطعام والحاجيات الأخرى بين الجيران.
أما بالنسبة لـالتراسينة (الممرات الخشبية)، فهي تصميم تقليدي شائع يربط أجزاء مختلفة من المنزل ويوفر إطلالة جميلة على الفناء الداخلي؛ كانت تستخدم للاسترخاء أو تناول المشروبات وتحمل زخارف تزيد من جمال المكان وترتيبه。