التحول الجذري في التحكيم الرياضي
شهدت الرياضة تحولاً جذرياً خلال السنوات الأخيرة بفضل التطورات التكنولوجية، خاصة في مجال التحكيم. يُعتبر تحسين أداء الحكام وتقليل الأخطاء البشرية التي قد تغير نتائج المباريات من أبرز المجالات التي تأثرت بهذه التطورات.
مقال مقترح: إعرف الآن.. القنوات المجانية الناقلة لمباراة ليفربول وفولهام اليوم 24/1/2024 في كأس الرابطة الإنجليزية
مع ظهور تقنيات مثل “حكم الفيديو المساعد” (VAR)، أصبحت القرارات التحكيمية أكثر دقة، لكن ذلك أثار أيضاً نقاشات حول مدى موثوقيتها وتأثيرها على روح اللعبة.
في هذا السياق، نستعرض دور الذكاء الاصطناعي في تحسين التحكيم الرياضي، مع تقديم أمثلة عملية والتحديات التي تواجه هذه التقنيات في تحقيق التوازن بين التكنولوجيا والعنصر البشري.
من الحدس إلى الخوارزميات
لطالما كان الحكم الرياضي هو السلطة العليا في الملعب، حيث يتخذ قراراته في ثوانٍ معدودة وسط ضغوط اللاعبين والجمهور وسرعة الإيقاع. ومع ذلك، شهد التحكيم تطوراً ملحوظاً خلال العقود الماضية استجابة للحاجة الملحة لتقليل الأخطاء.
انتقل التحكيم من الاعتماد الكامل على الحكم البشري إلى استخدام الذكاء الاصطناعي الذي ساعد في اتخاذ قرارات دقيقة وعادلة. أظهرت الدراسات أن الأخطاء التحكيمية لا تزال موجودة في بعض الرياضات الجماعية حتى مع التدريب والخبرة.
يقدم الذكاء الاصطناعي حلولاً مبتكرة من خلال قدرته على اتخاذ قرارات مبنية على أسس علمية موضوعية بدلاً من الاعتماد فقط على التقدير الشخصي. كما يسهم في تحسين أداء الحكام عبر تتبع وتحليل قراراتهم بدقة، مما يساعد على تحديد نقاط القوة والضعف وتوجيههم نحو التحسين.
تشمل هذه التحليلات متابعة أنماط القرارات وتحديد الأخطاء المتكررة وقياس الاتساق في الأداء. كما تساعد أيضاً في إعداد برامج تدريبية مخصصة تلبي احتياجات الحكام الفردية.
أنظمة الذكاء الاصطناعي ودورها الفعال
تشكل أنظمة الذكاء الاصطناعي دعامة رقمية لتحسين جودة التحكيم. ظهر نظام الرؤية الحاسوبية “هوك آي لايف” (Hawk-Eye Live) لأول مرة في رياضة التنس عام 2003 لأغراض البث، لكنه حصل على الموافقة عام 2005 بعد مباراة مثيرة للجدل شهدت أخطاء تحكيمية أدت إلى خسارة لاعبة للمباراة.
تم توسيع نطاق استخدام “هوك آي لايف” خلال جائحة فيروس كورونا، حيث أقيمت بطولة الولايات المتحدة المفتوحة للتنس لعام 2020 بدون حكام خطوط في معظم الملاعب الرئيسية. ومنذ بدء استخدام النظام، تخلص اتحاد التنس الأميركي من ما بين 190 و200 حكم حسب مرحلة البطولة.
توضح ورقة بحثية صادرة عام 2024 أن السلوك البشري يتغير عند استخدام التكنولوجيا؛ إذ تحسنت دقة الحكام وانخفض معدل الأخطاء الإجمالي بنسبة 8% بعد اعتماد “هوك آي لايف”.
من التنس إلى كرة القدم والجمباز
اقرأ كمان: الزمالك يرسل خطابًا للسفارة الأمريكية بخصوص تأشيرة زيزو
في عام 2009، ساعدت لمسة يد غير ملحوظة فرنسا على إقصاء أيرلندا من التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2010، بينما كان هدف فرانك لامبارد الشهير ضد ألمانيا نقطة تحول أخرى. رغم عبور الكرة خط المرمى، أخطأ الحكم تقدير الموقف مما أدى إلى تبني التقنية الجديدة.
في عام 2012، أنشأ مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم عملية اعتماد لضمان جودة أنظمة تقنية “خط المرمى” (Goal-Line Technology) المستخدمة في المباريات الرسمية. بينما ظهرت “تقنية التسلل شبه الآلية” (SAOT) لأول مرة في كأس العالم لكرة القدم عام 2022 بقطر حيث كانت الكرة ترسل تنبيهات لغرفة “حكم الفيديو المساعد” عند حدوث وضع تسلل.
كما تضمنت الكرة وحدة قياس بالقصور الذاتي (IMU) تكشف المواقف غير القانونية وترسل البيانات بمعدل 500 مرة في الثانية إلى غرفة “حكم الفيديو المساعد”. وصلت هذه التقنية لاحقًا إلى الدوري الإنجليزي الممتاز بهدف توفير تحديد سريع ودقيق لخط التسلل الافتراضي بناءً على تتبع اللاعبين بصريًا.
أما بالنسبة لرياضة الجمباز، فقد طورت شركة “فوجيتسو” تقنية “نظام دعم التحكيم” (JSS) بالتعاون مع الاتحاد الدولي للجمباز لتحويل الحركات البشرية المعقدة إلى بيانات رقمية مما يقلل من التحيز ويساعد على توحيد المعايير. وقد تم استخدام هذا النظام لأول مرة في بطولة العالم للجمباز الفني ببلجيكا عام 2023 للتحكيم على جميع الأجهزة.
البيانات تتحدث: لعبة الجولف والملاكمة
بفضل نظام “شوت لينك” (ShotLink) المدعوم بمعلومات لوجستية وبيانات إحصائية وأجهزة استشعار مدمجة داخل ملعب الجولف، يمكن تتبع موقع كل ضربة قبل أن تلامس الأرض. يشمل النظام رادارًا عسكريًا يوفر بيانات دقيقة عن كل ضربة بالإضافة إلى وجود كاميرات وأفراد لمراقبة الضربات التي تخرج عن حدود الملعب.
توفر أجهزة الاستشعار والكاميرات البيانات اللازمة للتنبؤ بموقع الضربة قبل اصطدامها بالأرض ويستخدم الذكاء الاصطناعي لتزويد الحكام بالأدوات الضرورية لأداء مهامهم بكفاءة. أما بالنسبة لرياضة الملاكمة فإن نظام “ديب سترايك” (DeepStrike) يجمع بيانات مكثفة عن المباريات عبر قياس خمسين مؤشراً رئيسياً لكل لاعب مما يتيح الكشف عن السلوكيات غير المشروعة ومساعدة الحكام على مكافحة الغش أثناء النزالات.
التحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي
على الرغم من مزايا الذكاء الاصطناعي مقارنة بالحكام البشر فيما يتعلق ببعض التحيزات المحتملة والقيود الجسدية مثل ضعف البصر أو التعب بعد يوم طويل من العمل، إلا أن قراراته تعتمد بشكل كبير على كيفية تدريبه والبيانات التي تم جمعها بواسطة آلات قد تغفل بعض التفاصيل أو تفسرها بشكل خاطئ.
بينما يمكن للذكاء الاصطناعي معالجة بعض المشكلات فإنه قد يسبب مشاكل جديدة ويثير قضايا المسؤولية؛ حيث واجهت عملية اتخاذ القرار بمساعدة الذكاء الاصطناعي انتقادات عدة بسبب الأخطاء التي حدثت أثناء المباريات.
على سبيل المثال:
- M مباراة الدوري الإنجليزي الممتاز بين شيفيلد يونايتد وأستون فيلا عام 2020 شهدت إلغاء هدف واضح بسبب عطل فني وليس نتيجة خطأ بشري.
- M اعترفت الشركة المطورة لتقنية “هوك آي لايف” لاحقاً بوجود خطأ وصفته بالشذوذ بعد أكثر من تسعة آلاف مباراة دون حوادث مماثلة.
- M جدل مشابه حدث خلال المباراة الافتتاحية لكأس العالم لكرة القدم 2022 عندما ألغت تقنية التسلل شبه الآلية هدف اللاعب الإكواردوري إينر فالنسيا مما أثار تساؤلات حول دقة النظام ومدى ملائمته لطبيعة اللعبة السريعة.
المستقبل الهجين للتحكيــم الرياضي
No يزال تصور ملاعب رياضية بدون حكام بشريين أمراً صعباً؛ إذ إن المجتمع الرياضي لم يتقبل بعد فكرة الاعتماد الكلي على الروبوتات للحكم.
كما أن الذكاء الاصطناعي ليس مصمماً لإلغاء العنصر البشري بل لدعمه بنظام ذكي يقلل احتمالات الخطأ ويعزز الشفافية ويضمن تكافؤ الفرص.
وبالتالي فإن الاتجاه الحالي هو تطوير نموذج هجين يجمع بين الذكاء الاصطناعي والحدس البشري حيث يتولى الأول القرارات الموضوعية بينما يحتفظ الثاني بالقرارات التي تتطلب فهم السياق والنية.
خاتمة
No عالم تقاس فيه الانتصارات بأجزاء من الثانية لم تعد الأخطاء التحكيمية مجرد حوادث عرضية بل أصبحت قضايا رأي عام تؤثر بشكل كبير على ثقة الجمهور بالبطولات.
بينما يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً حيوياً في تحسين أداء الحكام وتقليل الأخطاء البشرية إلا أنه ليس معصوماً عن الخطأ ولا بديلاً كافياً عن العنصر البشري عندما يتعلق الأمر بالسياقات التي تتطلب تقديراً دقيقاً.