حرب تل أبيب- طهران.. الهدوء يهيمن في دمشق

تتجنب سوريا الانخراط في الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران، رغم وقوعها في منطقة جغرافية تجعل سماءها ساحة للصواريخ والعمليات الجوية والهجمات المضادة.

انطلقت موجة التصعيد هذه بهجمات جوية إسرائيلية استهدفت مراكز قيادية ومنشآت نووية بالإضافة إلى عدد من أبرز القادة العسكريين الإيرانيين.

أسفرت هذه الهجمات عن مقتل أكثر من 20 قائدًا إيرانيًا، وفقًا لما أفادت به وكالة “رويترز”، حيث شاركت حوالي 200 طائرة مقاتلة إسرائيلية في الهجوم، مستهدفة نحو 100 موقع متنوع داخل إيران، كما صرح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إيفي ديفرين، للصحفيين في 13 يونيو الحالي.

استخدمت خلال تلك الهجمات حوالي 300 قنبلة، ولا تزال الطائرات الحربية الإسرائيلية تواصل ضرب منشآت داخل إيران.

رداً على ذلك، أطلق الجيش الإيراني نحو 300 صاروخ في رشقات منفصلة باتجاه إسرائيل، مما أسفر عن دمار غير مسبوق في منطقة تل أبيب الكبرى بسبب سقوط الصواريخ الإيرانية، بحسب ما ذكر مسؤولون إسرائيليون لقناة “13” الإسرائيلية.

تحولت سماء سوريا إلى ممر للطائرات الإسرائيلية والصواريخ الإيرانية، حيث قامت إسرائيل أيضًا بإسقاط صواريخ فوق الأراضي السورية في المناطق الجنوبية.

يعتقد الباحث وائل علوان من مركز “جسور للدراسات” أن الضربات الواسعة التي شنتها إسرائيل ضد قادة الصف الأول الإيراني ومواقع عسكرية حيوية مثل المفاعلات النووية ستؤثر على المنطقة بشكل عام، وستكون لها تداعيات على الاستقرار الإقليمي، خاصةً في الفضاء الجيو-عسكري الذي يشمل سوريا ولبنان والأردن والعراق.

الموقف السوري

توالت ردود الأفعال الدولية حول التصعيد في إيران بدءًا من تركيا. إذ أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن قلقه من أن تصرفات إدارة نتنياهو قد تقود المنطقة والعالم إلى كارثة نتيجة “أفعالها المتهورة والعدوانية وغير القانونية”، مضيفًا أن الهجمات الإسرائيلية تمثل استفزازًا واضحًا وتجاهلًا للقانون الدولي.

كما أدانت المملكة العربية السعودية ما وصفته بـ”الاعتداءات الإسرائيلية السافرة” على إيران، معتبرة أن هذه الأعمال تمثل انتهاكًا صارخًا للقوانين والأعراف الدولية, وفقاً لوكالة الأنباء السعودية.

وفي خضم كل هذا التصعيد، بقيت سوريا ملتزمة بالصمت حيال الأحداث الجارية بين طرفين تعتبرهما خصمين للحكومة الجديدة، رغم تصريحات دمشق بشأن سعيها لعقد اتفاقيات مع إسرائيل.

لا يبدو أن الحكومة السورية ترغب في اتخاذ موقف سريع بين هذين الخصمين. فإيران تُعتبر خصمًا للنظام السابق وهي لا تزال تحمل العداء تجاه الحكومة السورية الجديدة والشعب السوري واستقرار البلاد وفق ما يراه الباحث علوان.

من جهة أخرى، ترى إسرائيل أن الحكم الجديد في سوريا يُعتبر خصمًا يمكن التفاوض معه مستقبلًا، لكن لا تزال تل أبيب تنفذ عمليات توغلات واعتداءات على الأراضي السورية.

وأوضح علوان أنه “يجب أن يكون هناك موقف يدين أي اعتداء يمتد إلى الأراضي السورية أو القوات السورية”.

في 12 يونيو الحالي، أدانت وزارة الخارجية السورية بشدة التوغل الإسرائيلي في بلدة بيت جن بريف دمشق. واعتبرت الوزارة أن هذه الأعمال الاستفزازية تعيق جهود تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار ودعت قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (الأندوف) لتحمل مسؤوليتها.

وكشف الجيش الإسرائيلي عن اعتقال أفراد ينتمون لـ”حركة المقاومة الإسلامية” (حماس)، زاعمًا أنهم “يحاولون الترويج لمخططات إرهابية متعددة ضد مواطني دولة إسرائيل وقوات جيش الدفاع في سوريا”، وذلك في بلدة بيت جن جنوب غرب العاصمة دمشق.

ويشير الباحث علوان إلى أن جزءاً من الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران قد يمر فوق الأراضي السورية, ويتوقع حدوث بعض الآثار والتداعيات التي قد تطال البلاد, وبالتالي يجب أن يكون هناك “موقف مستنكر حيال أي هجوم يستهدف سوريا”.

وفي 13 يونيو, سقطت بقايا صواريخ إثر القصف المتبادل بين إسرائيل وإيران أثناء عبورها الأجواء السورية قرب ريف درعا. ورجحت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) أن تكون تلك البقايا ناجمة عن خزان وقود فارغ لطائرة حربية إسرائيلية أو صاروخ إيراني دون وقوع أي أضرار مادية أو بشرية وفقاً لما ذكرته الوكالة.

وقد أكدت قناة “الإخبارية السورية” الرسمية أن بقايا المخلفات هي صواريخ إيرانية تم إسقاطها في مدينة إنخل وقرب مدينة الصنمين شمال درعا.

لا ناقة لسوريا ولا جمل

يعتقد الباحث وائل علوان أن توجه سوريا اليوم يجب أن يكون مبنيًا على ما يؤثر عليها بشكل مباشر سواء بالسلب أو بالإيجاب. لذا فإن الحكومة الجديدة تركز على مصالح البلاد بدلاً من الانغماس في تحيزات الماضي أو التقليدية.

وبناءً عليه, تتريث الحكومة السورية, خصوصاً وأن الطرفين ليسا أصدقاء للشعب السوري وكلاهما يتصرف باستفزاز تجاه استقرار البلاد, حسبما يرى علوان.

يتوقع الباحث أن يكون الموقف السوري “مترقباً ومستنكراً” لأي تطورات تؤثر سلبياً على استقرار البلاد ضمن هذا الصراع.

إذا لم يكن هناك اعتداء مباشر يمس سوريا, فإن هذه التداعيات لن تكون لها علاقة بالبلاد, إلا أنه على المستوى الاستراتيجي يُحتمل زيادة “الصلف الإسرائيلي”, الذي بات يقلق حكومات المنطقة بأسرها وليس فقط الشعب السوري.