هل تلجأ مصر إلى استراتيجية الحرب الاقتصادية؟ خبير يجيب

تردد مصطلح “اقتصاد حرب” مجددًا بعد اندلاع الحرب الإيرانية الإسرائيلية، وطرحت تساؤلات حول إمكانية وجوده في مصر، ليس فقط من حيث زيادة الأعباء على المواطن، بل أيضًا بشأن قدرة الدولة على ترشيد الاستهلاك في جميع القطاعات. وفي هذا السياق، يُعرف اقتصاد الحرب بأنه خطة تقشفية تعتمدها الحكومة وفقًا للأحداث الجارية، حيث يتم توجيه جميع موارد الدولة لتعبئة الاقتصاد للإنتاج خلال فترات الحروب، وهذا ما شهدته مصر بين عامي 1967 و1973 خلال حرب الاستنزاف وصولاً إلى نصر أكتوبر وتحرير سيناء.

تأثر الاقتصاد في زمن الحروب والصراعات

من المعروف أن الإيرادات تتأثر بشكل كبير نتيجة الحروب والصراعات، سواء كان ذلك من خلال السياحة أو التحويلات المالية من الخارج أو الموارد المصدرة، مما يجعل الدولة تركز على الاعتماد على الموارد المتاحة لها. وإذا نظرنا إلى الأحداث الراهنة، فإن العدوان الإسرائيلي على غزة أثر بشكل كبير على الاقتصاد المصري، مما أدى إلى تراجع عائدات قناة السويس بصورة ملحوظة وارتفاع أسعار السلع. وقد تناول الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء هذا الأمر في أكتوبر من العام الماضي بعد تدهور الأوضاع بالمنطقة والتي كان آخرها اندلاع الحرب الإيرانية الإسرائيلية يوم الجمعة الماضية.

تحول اقتصاد دولة ما إلى حالة استثنائية

ومن جانبه يقول الدكتور أشرف غراب الخبير الاقتصادي إن “اقتصاد الحرب” هو مصطلح يُستخدم لوصف الحالة التي يتحول فيها اقتصاد دولة ما من العمل وفق قواعد السوق العادية إلى حالة استثنائية تفرضها ظروف الحرب أو التهديدات العسكرية. وفي هذه الحالة تقوم الدولة بتوجيه الموارد والإنتاج والاستهلاك لخدمة المجهود الحربي والدفاعي. وغالبًا ما يصاحب ذلك تغييرات جذرية في سياسات الدعم والاستيراد والتمويل والتشغيل. وتشمل خصائص اقتصاد الحرب أربعة محاور رئيسية كما يلي:

  • تقييد الاستيراد للسلع غير الأساسية وتوجيه النقد الأجنبي للسلع الحيوية فقط.
  • زيادة الإنفاق العسكري على حساب قطاعات مثل الصحة والتعليم.
  • تعبئة الاقتصاد لصالح الإنتاج المحلي وتوفير الاحتياجات الاستراتيجية.
  • مراقبة الأسعار والتدخل الحكومي المباشر في الأسواق لمنع التضخم أو نقص السلع.

هل مصر مقبلة على “اقتصاد حرب”؟

وتابع الخبير الاقتصادي أشرف غراب قائلاً: إنه مع تصاعد الحرب بين إسرائيل وإيران واحتمال تحولها إلى صراع إقليمي شامل، يتزامن ذلك مع حديث الحكومة المصرية سابقًا بشكل علني وخاصةً في أكتوبر 2024 عن سيناريو “اقتصاد الحرب”، حين ألمح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خلال لقاءات حكومية إلى ضرورة الاستعداد لهذا السيناريو تحسبًا لأي تطورات تهدد الأمن القومي والاقتصادي لمصر. وأشار إلى أن هناك عدة عوامل تدعم هذا التوجه والتي تتمثل فيما يلي:

1. أزمة الطاقة والغذاء: توقفت صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر مما يهدد قطاع الكهرباء والصناعة خاصة مع ارتفاع أسعار النفط عالميًا.

2. أزمة قناة السويس: تراجع إيرادات القناة بسبب اضطرابات البحر الأحمر يضغط على الموارد الدولارية لمصر.

3. نقص العملة الصعبة: مع انخفاض الاستثمار الأجنبي وارتفاع تكلفة الواردات تواجه مصر فجوة تمويلية كبيرة مما يعيد طرح فكرة “ترشيد الاستيراد” بشدة.

4. الدعم الخارجي غير المؤكد: رغم تلقي مصر دعمًا من الإمارات وصندوق النقد الدولي إلا أن اتساع رقعة الحرب قد يعطل تدفق هذه المساعدات أو يقلل من تأثيرها.

الاستعداد لهذا السيناريو أصبح ضروريًا

وأشار غراب إلى أن مصر لم تدخل رسميًا في “اقتصاد حرب” بعد، ولكن كل المؤشرات تشير إلى أن الاستعداد لهذا السيناريو أصبح ضروريًا خاصة إذا تصاعدت الحرب الإسرائيلية الإيرانية وتحولت إلى صراع إقليمي مفتوح. وأوضح أن النزاع الحالي بين إسرائيل وإيران والذي شهد الضربة الإسرائيلية الموسعة على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية ورد إيران بقصف صاروخي وجوي يشكل تصعيدًا خطيرًا في المنطقة؛ إذ دفع هذا التصعيد إسرائيل لتعليق صادرات الغاز إلى مصر مما يزيد من حدة أزمة الطاقة إضافةً إلى الاضطرابات التي تعرضت لها الملاحة الجوية والبحرية بما يشمل إغلاق المجال الجوي لدول مجاورة مثل الأردن ولبنان وسوريا.

أسعار الطاقة وتأثيرها المباشر

ونوه غراب بأن أسعار النفط تشهد ارتفاعاً حاداً حيث تجاوزت نسب الزيادة 7-14٪ بينما ارتفعت أسعار الديزل أكثر من البنزين تحسباً لأي تعطل محتمل في مضيق هرمز أو البنى التحتية النفطية وهذا يعني زيادة فاتورة الاستيراد؛ إذ تستورد مصر جزءاً كبيراً من الطاقة والسلع وسعر النفط المرتفع يعني تكلفة أكبر على الميزانية الحكومية والقطاع الصناعي بالإضافة لضغوط تضخمية تتمثل في ارتفاع أسعار الطاقة والتي تؤدي بدورها لزيادات في تكاليف النقل والتوزيع وبالتالي تنعكس سلبياً على أسعار السلع الأساسية مما يزيد أزمات التضخم الحالية.

وتابع غراب قائلاً: إن بيئة اقتصادية محفوفة بالمخاطر تواجهها مصر نتيجة ارتفاع غير مسبوق لأسعار الطاقة وتراجع إيرادات قناة السويس والسياحة وضغوط العملة والاحتياطي واحتمالية الدخول في “اقتصاد حرب”. ومع ذلك توجد أدوات وتدابير يمكن اتخاذها لتخفيف الصدمة بشرط اتخاذ خطوات فورية وحازمة لإدارة الأزمة المتعلقة بالطاقة والاحتياطي والاستقرار الاجتماعي.