في خضم الضغوط المتزايدة من جميع الجهات، أصبح تراجع هيمنة الدولار الأميركي كعملة عالمية موضوعًا رئيسيًا للنقاش في الأسواق هذا العام. ويُعتبر اختبار الدور التقليدي للدولار كملاذ آمن في أوقات الأزمات أمرًا حاسمًا، خاصةً مع تصعيد الهجوم الإسرائيلي على إيران.
على عكس الأنماط التاريخية المعتادة، شهد الدولار تراجعًا أوليًا عند ظهور أنباء عن شن إسرائيل غارات جوية على أهداف إيرانية، قبل أن يرتفع مجددًا مقابل معظم العملات الرئيسية. ومن المتوقع أن تكون مكانة الولايات المتحدة كأكبر دولة منتجة للنفط في العالم قد ساهمت في تعزيز الانتعاش في اليوم الذي شهد ارتفاع العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط بنسبة 10%.
شوف كمان: الصين تستعد لتطوير ذكاء اصطناعي بدون “إنفيديا”: شركات التكنولوجيا تبحث عن حلول محلية
ومع ذلك، فقد سجل مؤشر “بلومبرغ” للدولار الفوري أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات يوم الخميس الماضي، وذلك بسبب القلق بشأن الرسوم الجمركية المرتفعة وتدهور آفاق الاقتصاد الأميركي. كما أثرت حركة التداول المعروفة باسم “بيع الأصول الأميركية”، والتي تسببت في خسائر ملحوظة لمجموعة متنوعة من الأصول الأميركية بدءًا من الأسهم ووصولاً إلى سندات الخزانة، بشكل سلبي على الدولار وأثارت شكوكًا حول مكانته كأصل آمن.
تراجع الدولار يقوض مكانته كأصل آمن
تشير هيبي تشن، المحللة لدى شركة “فانتاج ماركتس” (Vantage Markets) في ملبورن، إلى أن صفة “الملاذ الآمن” بالنسبة لأصول مثل الدولار والين تعتمد على ثلاث ركائز أساسية: الاستقرار الاقتصادي، السيولة، والمصداقية. ويكشف تراجع الدولار هذا العام عن تصدعات واضحة في جميع هذه الركائز.
انخفض مؤشر “بلومبرغ” للدولار الفوري بنحو 8% منذ بداية العام، حيث أدت جهود الرئيس دونالد ترمب لإعادة تشكيل التجارة العالمية إلى تقليص ثقة المستثمرين تدريجيًا في مستقبل نمو الاقتصاد الأميركي. ومن المتوقع أن يؤدي مشروع قانون الضرائب المقترح إلى زيادة العجز الفيدرالي بمليارات الدولارات خلال عشر سنوات، بينما بات دور الولايات المتحدة في التحالفات الأمنية والسياسية موضع شك أيضًا.
نهج إدارة ترمب يهدد مكانة الدولار
يشير رودريغو كاتريل، المحلل الاستراتيجي لدى “ناشيونال أستراليا بنك” (National Australia Bank) في سيدني، إلى أنه يجب متابعة ما إذا كانت سمات الدولار كملاذ آمن ستتآكل نتيجة نهج الإدارة الأميركية تجاه السياسة التجارية والإسراف المالي وتحديات سيادة القانون. كما يُظهر الهجوم الإسرائيلي كيف تبدو الولايات المتحدة وكأنها تتخلى عن دورها الجيوسياسي الرئيسي، مما يفسح المجال لدول أخرى لتحقيق أجنداتها الخاصة.
وفي سياق ذلك، صرح وزير الخارجية ماركو روبيو بأن الولايات المتحدة “لم تشارك” في الغارات الإسرائيلية وحذر إيران من الرد باستهداف مصالح البلاد أو موظفيها.
شهد مؤشر الدولار ارتفاعًا بنسبة 0.4% خلال تداولات آسيا يوم الجمعة الماضية، بينما تذبذب سعر الين وارتفع الفرنك السويسري بنسبة 0.1%. أما الذهب الذي حقق مستوى قياسيًا في أبريل الماضي فقد زاد بنحو 1.7%، بينما شهدت سندات الخزانة ارتفاعًا طفيفًا.
مقال مقترح: استثمر في الذهب الآن وحقق أرباحًا مذهلة مع عيار 21 الجديد!
الموقف الأميركي قد يحدد مسار الدولار
قبل الهجوم الإسرائيلي، كانت بنوك “وول ستريت” تعزز رهاناتها على مزيد من التراجع للدولار تحت ضغط خفض أسعار الفائدة وتباطؤ النمو الاقتصادي. وقد أشار بول تيودور جونز، مؤسس صندوق التحوط “تيودور إنفستمنتس” (Tudor Investments)، إلى احتمال انخفاض العملة الأميركية بنسبة 10% بعد عام من الآن وتوقع خفض كبير في أسعار الفائدة قصيرة الأجل خلال العام المقبل.
يمثل الهجوم الإسرائيلي تصعيدًا كبيرًا في المواجهة حول برنامج طهران النووي. وكان من المقرر أن يعقد المفاوضون الإيرانيون والأميركيون جولة سادسة من المحادثات في عمان الأحد المقبل؛ لكن ترمب أعرب هذا الأسبوع عن تراجع ثقته بشأن فرص التوصل إلى اتفاق.
يقول شوكي أوموري، كبير المحللين الاستراتيجيين لدى شركة “ميزوهو سيكيورتيز” (Mizuho Securities) في طوكيو: “العملاء باتوا يسألون ويناقشون بشكل متزايد دور الدولار كأصل آمن ضمن محافظ الاستثمار. اعتماداً على كيفية تعبير ترمب عن موقفه تجاه الهجمات بالتلميح إلى مشاركة مستقبلية مثلاً فإن سندات الخزانة والدولار قد تواجه مخاطر أكبر تتمثل بمزيد من عمليات البيع.”
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على