برشلونة– تفصل ساعة واحدة بين مركز برشلونة الحيوي وحي راكافوندا الهادئ، الذي يقع شمال المدينة ضمن ماتارو. هذا الحي المتواضع أصبح موطناً لأحد أبرز المواهب الكروية في الوقت الراهن.
مقال له علاقة: القنوات المجانية الناقلة لمباراة الأهلي اليوم ضد الشباب التنزاني يانغ أفريكانز في أفريقيا
في مقهى “إل كوردوبيس”، اعتاد منير نصراوي أن يستمتع بكوب من القهوة كل صباح، بينما كان ابنه الصغير لامين جمال يلعب بكرته في أرجاء المقهى بانتظار أن يأخذه إلى أكاديمية برشلونة “لاماسيا”.
يتحدث صاحب المقهى وصديق العائلة، كارلوس سيرانو، للجزيرة نت عن تلك اللحظات، مشيراً إلى أنه لم يكن يتخيل أن ذلك الطفل البالغ من العمر خمس سنوات والمليء بالحيوية سيصبح نجماً في نادي برشلونة قبل أن يتجاوز الثامنة عشر.
تقديراً لتلك الذكريات الجميلة، حصل سيرانو على قميص يحمل الرقم 39 الذي ارتداه جمال في أول مباراة له مع “البارسا”. وقد قال له والده حينها: “أريدك أن تحتفظ به لأنه أول قميص يرتديه ابني، وسيصبح مشهوراً مع مرور الوقت”.
الملعب الأول
بعد تناول وجبة الغداء والقيلولة، يأتي موعد اللقاء اليومي بين أطفال وشباب الحي للعب كرة القدم على ملعب إسمنتي بسيط يقع بين منطقة مخصصة للأطفال وملعب عشبي كبير لنادي راكافوندا. ويعبر القائمون عليه للجزيرة نت عن أملهم في انضمام لامين إليهم يوماً ما.
يقول رايان محمدي (21 عاماً) إن جمال “كان فتى متواضعاً ومن عائلة بسيطة، وكان يأتي دائماً للعب معنا هنا بعد الظهر”.
ويضيف أنه “لم يكن يفكر إلا في كرة القدم منذ صغره؛ فعندما كان في الثامنة أو التاسعة من عمره كان يلعب مع أشخاص في العشرينات. لقد كان الأفضل دائماً”.
يتذكر محمدي بعض اللحظات مع لامين، قائلاً إنه كان يغضب بشدة عندما يخسر أمام الآخرين.. لم يكن يحب الخسارة وكان دائماً يسعى للفوز وفخوراً بمستواه منذ نعومة أظفاره.” وفقاً لوصفه.
ويتفق جابر الحامدي (28 عاماً) مع هذا الوصف، مضيفاً أن لامين “كان خجولاً جداً ولا يتحدث كثيراً. كان يشكل فريقه وكنا نلعب ضده. غالباً ما كان يفوز، لكنه أحياناً يخسر وعندها يغادر غاضباً جداً”.
حي 304
وفقًا لبيانات مجلس مدينة ماتارو لعام 2023، يعيش أكثر من 11,730 شخصًا في حي راكافوندا من أصل نحو 130,000 نسمة تقريبًا. ومن بينهم يزيد عدد الأفراد ذوي الأصول الأجنبية عن 5,400 شخص، مما يعني أن نسبة السكان الأجانب تتجاوز 46% وهي أعلى بكثير من المتوسط العام للسكان الأجانب في برشلونة والذي يبلغ حوالي 24%.
“قد يبدو الحي خطيراً أو سيئ السمعة من الخارج”، يقول الحامدي مشيراً إلى الصورة النمطية السائدة عن راكافوندا. ولكنه يوضح أن الوضع يختلف عند النظر إلى الداخل؛ فهو “حي متواضع يسكنه أشخاص مجتهدون يعمل معظمهم في الزراعة والحقول بالإضافة إلى عدد كبير من كبار السن”.
يمتاز حي راكافوندا برمزه البريدي رقم 304 الذي يحتفل به لامين جمال عند تحقيق الانتصارات (الجزيرة)
ويضيف موضحًا: “الحي يبدو متواضعًا للغاية لأنه لا يوجد فيه أغنياء يمتلكون ثروات كبيرة؛ بل يعيش فيه أشخاص يكسبون رواتب بسيطة شهريًا ولديهم طفلان أو ثلاثة يتنقلون بين المدرسة والمنزل والحديقة دون غيرها. إنه حي نموذجي جداً لهذه المناطق”، مشيدًا بأخلاق سكانه الطيبة والمحبة.
وفيما يتعلق بالشغف بكرة القدم المنتشر بين أبناء الحي، يؤكد الحامدي أن ثقافة كرة القدم رائجة هنا وفي أحياء مشابهة بمدينة ماتارو وبرشلونة بشكل عام حيث يبدأ الأطفال بممارستها منذ الصغر أو ينخرطون في رياضات أخرى.
تعايش وتكافل
لا يقتصر هذا الرأي على الشباب فقط؛ فالحي الذي تأسس في ستينيات القرن الماضي لاستيعاب السكان القادمين من جنوب إسبانيا ازداد شعبيته خلال التسعينيات مع وصول المهاجرين وأصبح موطنًا لجاليات متنوعة أبرزها الجالية المغربية التي ينتمي إليها طارق الرحموني (50 عامًا)، وهو مقيم هناك منذ أكثر من عشرين عامًا.
يتذكر الرحموني كيف كان لامين جمال يجذب الأنظار بمهاراته الكروية وأخلاقه العالية ومحبة أبناء الحي له.
ويؤكد الرحموني أن حرص جمال على رسم الرقم 304 بأصابعه – رمز حي راكافوندا البريدي – ساهم بشكل كبير في تسليط الضوء على الحي الذي يعاني بعض المشاكل الاجتماعية المتكررة، لكنه لا يصل إلى حد اعتباره مهمشًا؛ فلامين يذكره بدافع الحب والوفاء لأهل بيته فيه.” كما يقول.
يجدر بالذكر أن عبد الخالق نصراوي عمّ نجم برشلونة يمتلك مقهىً يعج بصور لامين جمال وفريق برشلونة ولكنه فضل عدم التحدث للجزيرة نت.
ويبدو أن حال باقي أفراد العائلة مشابه لذلك حيث تتلقى اهتمام وسائل الإعلام خاصة بعد الأحداث التي وقعت في أغسطس/آب 2024 عندما تعرض والد لامين جمال للطعن إثر مشاجرة حدثت بينه وبين مجموعة من سكان الحي.