الركود يهيمن على المشهد.. لا أمل لحل أزمة صادرات نفط إقليم كردستان العراق

لا يزال الجمود مستمرًا بشأن استئناف صادرات النفط الخام عبر خط أنابيب العراقتركيا، دون أي أمل في حل قريب. كل طرف يدعي أنه بإمكانه استئناف التصدير لو كانت هناك مرونة من الطرف الآخر. الاجتماع الأخير بين وزارة النفط العراقية وشركات النفط الدولية العاملة في إقليم كردستان، والذي كان ممثلًا فيه ثمانية من أعضاء مجموعة الصناعة النفطية بإقليم كردستان (أبيكور)، انتهى بلا نتائج، كما هو الحال مع الاجتماعات السابقة.

تعود جذور هذا الجمود إلى رؤيتين متعارضتين تمامًا حول كيفية بدء مناقشات استئناف التصدير، وليس مجرد عجز عن الوصول إلى اتفاق لتنفيذ تعديل الموازنة الاتحادية. هذا التعديل يهدف إلى استئناف التصدير عبر خطوات متعددة: البداية بإجراء مؤقت يتمثل في دفع 16 دولارًا للبرميل لتغطية تكاليف إنتاج النفط الخام ونقله، ومن ثم اتخاذ تدابير لتقدير مستحقات شركات النفط الدولية وفقًا لعقودها مع حكومة إقليم كردستان.

في بيان لها أواخر أبريل، أكدت أبيكور أن أعضائها قادرون على استئناف التصدير “حال إبرام اتفاقات ملزمة تضمن تأكيد الدفع لهذه الصادرات بما يتماشى مع الشروط التعاقدية لكل شركة نفط عالمية”، بالإضافة إلى تسوية المستحقات المتأخرة لحكومة الإقليم التي تصل إلى نحو مليار دولار. كما تطلب شركات النفط الدولية ضمانات للدفع بالنظر إلى تاريخ تراكم تلك المتأخرات.

على الجانب الآخر، ترى وزارة النفط العراقية ضرورة البدء بالإجراء المؤقت أولاً ثم الانتقال إلى الخطوة التالية.

المعضلة تكمن في أن وزارة النفط ترفض الالتزام بشروط العقود الحالية لشركات النفط الدولية قبل مراجعتها. وهذه العقود غير متاحة لا من حكومة الإقليم ولا من شركات النفط الدولية، مما أدى إلى ترتيب الخطوات في التعديل. وفي المقابل، تجد شركات النفط العالمية صعوبة في قبول الغموض حول تقدير التكاليف الواردة في التعديل، الذي قد لا يعكس ما تنص عليه عقودها القائمة. وتزداد تعقيد الأمور بمطالبة ضمنية بأن تتحمل الحكومة المركزية متأخرات حكومة الإقليم.

مراوغة عراقية معتادة

توقفت صادرات النفط المستقلة لإقليم كردستان رسميًا في مارس 2023 بعد حكم غرفة التجارة الدولية لصالح العراق ضد تركيا بخصوص اتفاقيات خط أنابيب العراقتركيا. وقبل ذلك بعام، أطاحت المحكمة الاتحادية العليا بالإطار القانوني والتشريعي الذي ينظم تطوير النفط والغاز في إقليم كردستان من خلال قرارها بعدم دستورية قانون النفط والغاز الخاص بالإقليم.

أسفرت هذه الأحكام عن إعادة ترتيب جذرية للعلاقة بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم، تجسدت في اقتراح ميزانية 20232025 واتفاقهما في أبريل 2023 بشأن استئناف الصادرات عبر خط الأنابيب. ونتج عن عملية ترتيب العلاقة آلية لتقاسم إيرادات النفط والغاز، وكان لديها القدرة على حل النزاع حول طبيعة عقود حكومة الإقليم الموقعة مع شركات النفط الدولية. ومع ذلك، انتهى الأمر بسبب تعديلات مجلس النواب في يونيو 2023 على مواد الموازنة المتعلقة بمستحقات شركات النفط الدولية التي تعمل في إقليم كردستان.

رغم ذلك، حافظت الحكومة المركزية وحكومة الإقليم على مسار إعادة الترتيبات؛ حيث اتفقتا أوائل نوفمبر على العودة عن جوهر تعديلات مجلس النواب، وقد قُدم ذلك كتعديل للموازنة وأُقرّ كقانون في فبراير. لكن هذا التعديل لم يتضمن اعترافًا رسميًا بمستحقات شركات النفط الدولية وفق عقودها القائمة. ولحل هذه المشكلة لجأ الطرفان إلى مراوغة عراقية تتسم بالغموض الكافي للتوافق، تمثلت بتعيين شركة استشارية دولية لتحديد التكاليف العادلة للإنتاج والنقل.

حتى يتم الوصول لذلك، ستقوم حكومة الإقليم بتسليم إنتاج النفط لوزارة النفط العراقية التي ستخصص 16 دولاراً للبرميل كقرض لحكومة الإقليم لتكاليف الإنتاج والنقل والتي سيتم تسويتها بأثر رجعي عند الوصول للتكاليف العادلة. وبالتالي ستدفع مستحقات شركات النفط الدولية من قبل حكومة الإقليم وليس الحكومة العراقية.

ساهمت هذه المراوغة في حل النزاع حول عقود شركات النفط العالمية وخاصة فيما يتعلق بمسألة الأجور. ومع ذلك، تبقى المشكلة بالنسبة لشركات النفط العالمية هي أن مصطلح “عادل” له تفسيرات متعددة وغامضة تمامًا مثل مصطلح “إنتاج”، حيث إنه ليس واضحًا إذا كان يشمل رأس المال بجانب تكاليف التشغيل. والأسوأ أنه ليس هناك وضوح بشأن ما إذا كانت عبارة “الإنتاج العادل” تتناول مسألة تقاسم الأرباح بعد دفع التكاليف.

من المراوغة إلى التسوية الكاملة

سمحت هذه المراوغة بتمرير التسوية في مجلس الوزراء وأهميتها كانت واضحة أيضًا في مجلس النواب؛ إذ غطى الغموض المرتبط بها بشكل أساسي على النزاع الطويل حول طبيعة العقود الموقعة مع شركات النفوط العالمية. ومع ذلك لن يؤدي هذا بالضرورة لاستئناف الصادرات.

في وقت سابق من فبراير ، تم تسوية النزاع حول هذه العقود بقرار المحاكم العراقية بأن حكم المحكمة الاتحادية العليا بشأن قانون نفط والغاز لإقليم كردستان لا يمكن تطبيقه على العقود التي وقعتها شركات النفوط العالمية مع حكومة إقليم كردستان قبل دخول الحكم حيز التنفيذ. وبالتالي يتعين على حكومة العراق طمأنة الشركات بأن نطاق الاستشارات الدولية واسع بما يكفي لمعالجة مستحقاتها المالية بالكامل بموجب العقود الحالية؛ بينما تحتاج الشركات بدورها لفهم أن الحكومة لا يمكنها الوفاء بعقودها دون مراجعتها؛ لذا فإن الاستشارات ستكون خطوة ضرورية للوصول لتقديرات عادلة لأجورها المتعاقد عليها.

علاوة على ذلك يجب على حكومتي العراق وإقليم كردستان توفير آلية دفع واضحة لإقناع شركات النفط العالمية بأن حكومة الإقليم ستغطي الفرق بين الأجور المقدرة والحقيقية من حصتها بالميزانية بالإضافة إلى جدولة سداد متأخراتها البالغة مليار دولار. إن الوضع الراهن حيث تبيع فيه الشركات إنتاجها بالسوق المحلي لإقليم كردستان بأسعار مخفضة يغطي تكاليف التشغيل فقط يعد نموذج عمل غير مستدام وعرضة للخطر.

استطاعت الشركات العالمية الصمود أمام إغلاق خط الأنابيب والغاز حيث تعافى إنتاج الخام ليصل بنهاية عام 2024 نحو 292 ألف برميل يوميًا أو حوالي 60% من مستويات ما قبل الإغلاق حيث تمثل أعضاء APIKUR نحو 60% من الإنتاج الحالي.

إنتاج الخام والمكثفات بالإقليم 20212024

الخطر الذي تواجهه الشركات هو أن مبيعاتها تستهدف السوق المحلية أغلبها لمصافي التكرير ولكن المصادر أفادت بأن بعض المنتجات تُنقل بواسطة تجار محليين لإيران وتركيا؛ وإذا توقفت تلك الصادرات أو انخفضت بسبب الإجراءات العراقية أو الأمريكية كجزء من عقوبات الضغط الأقصى ضد إيران فسيؤدي ذلك لانخفاض الشراء المحلي للنفط الخام. وعلى الرغم من أهمية الولايات المتحدة لاستئناف الصادرات لحماية الاستثمارات الأمريكية إلا أن هذا الدعم قد يتزعزع نتيجة التطورات الإقليمية خاصةً وأن الشركات الأمريكية لا تشكل سوى حوالي 10% من الإنتاج.

وأخيرًا هناك مجموعة من القضايا تحتاج للحل قبل استئناف الصادرات؛ أهمها ديون حكومة إقليم كردستان التي تبلغ 3.3 مليار دولار لشركات تداول النفوط والتي لها حق جزء من صادراتها. لكن المشكلة تكمن أنه إذا استؤنفت الصادرات نهائيًا دون وجود حل دائم مثل قانون اتحادي للنفط والغاز فإن الآليات الحاكمة ستكون مشروطة بفترة سريان الميزانية (20232025). وهذا يعني أن تلك الآليات ستحتاج لمفاوضات جديدة بين حكومتي إلاقليم والعراق الجديدة التي ستشكل بعد الانتخابات البرلمانية أكتوبر 2025.

المصدر: The London School of Economics and Political ScienceMiddle East Centre Blog

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على