أزمة مرتبات إقليم كردستان تتفاقم مجددًا.. بين تجاوز الحصة النفطية ومقترحات التمويل المؤقت

عادت أزمة رواتب موظفي إقليم كردستان إلى الواجهة مجددًا في العراق، بعد قرار وزارة المالية الاتحادية بقطع تمويل رواتب شهر أيار، بسبب تجاوز الإقليم لحصته من الموازنة الاتحادية وعدم التزامه بتسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية لبغداد.
تأتي هذه التطورات بعد أيام من تفجر أزمة بين الجانبين عقب توقيع حكومة إقليم كردستان اتفاقيتين نفطيتين مع شركتين أميركيتين لاستثمار حقلي ميران وتوبخانه كردمير في محافظة السليمانية. وقد رفضت وزارة المالية العراقية هذا الأمر، داعية إلى الالتزام بالدستور الذي ينظم العلاقة النفطية بين بغداد وأربيل.
مقال مقترح: الابيض عريض ورفيع بكام ؟.. سعر طن الارز الشعير اليوم فى مصر فى جميع المحلات للتاجر والمستهلك
في ظل التوتر المتصاعد، طرحت مقترحات حكومية تقضي بصرف الرواتب على شكل قرض مؤقت، مما أثار ردود فعل سياسية متباينة تراوحت بين الرفض والقبول المشروط. وفي الوقت ذاته، حذر خبراء من الانعكاسات السلبية لهذه الأزمة على الاستقرار المالي والسياسي للبلاد ككل.
وقد أبلغت وزيرة المالية العراقية طيف سامي رسميًا حكومة الإقليم بعدم إمكانية استمرار الوزارة في تمويل الرواتب. وعللت ذلك بـ”تجاوز كردستان الحصة المقررة لها ضمن قانون الموازنة الاتحادية والبالغة 12.67%”.
وفي بيان لاحق للوزارة، أكدت أن “حكومة الإقليم لم تلتزم بتسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية للحكومة الاتحادية”، مضيفة أن “امتناع الإقليم عن تسليم هذه الإيرادات أدى إلى تجاوز حصته المحددة في الموازنة”. كما أشارت إلى أن “عدم التزام حكومة الإقليم بتوطين الرواتب” كان له أثر بالغ على خزينة الدولة العامة.
تعد أزمة الرواتب الحالية امتدادًا لخلافات عميقة بين بغداد وأربيل تتعلق بإدارة الموارد النفطية وحصص الموازنة. وتظهر بوادر هذه الأزمة في وقت يستعد فيه العراق لخوض الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في الـ 11 من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، مما قد يؤثر على سير التحالفات والتفاهمات السياسية المقبلة.
مواضيع مشابهة: سعر الدولار اليوم الثلاثاء 22-4-2025 في البنوك: تحديث مستمر لمستهل التعاملات
وفي هذا السياق، أكد عضو مجلس النواب جاسم الموسوي أن الأزمة المالية مع إقليم كردستان مرشحة للتصعيد وقد تُرحل إلى الدورة البرلمانية المقبلة.
وأضاف الموسوي: “الأزمة ليست مالية فقط بل تحمل طابعًا سياسيًا عميقًا، إذ إنها مرتبطة بعلاقات الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، فضلاً عن الأطراف السياسية الأخرى داخل البرلمان والحكومة”.
وأوضح الموسوي أن الإقليم يتعامل مع الثروات الطبيعية الموجودة فيه كحق منفصل، دون الالتزام بالشروط القانونية والدستورية. وهذا يخلق تناقضًا؛ حيث يطالبون بحقوقهم المالية كجزء من الدولة دون الوفاء بالتزاماتهم التي نصت عليها الاتفاقات والموازنات.
وأشار الموسوي أيضًا إلى أن غياب الالتزام من جانب الإقليم يخلق أزمات سياسية جديدة ويضع ضغوطًا على الاتفاقات السياسية والمالية. وأكد ضرورة وضع هذه الملفات ضمن قانون حاسم ونهائي يضمن الالتزام الكامل من جميع الأطراف.
واختتم الموسوي تصريحه بالتنبيه إلى أن الأزمة المالية لا تؤثر فقط على إقليم كردستان بل تهدد مفاصل الحكومة الاتحادية ككل.
إلى ذلك، كشفت مصادر مطلعة أن رئيس مجلس الوزراء الاتحادي محمد شياع السوداني أعرب عن استعداده لصرف رواتب موظفي إقليم كردستان لشهر أيار/مايو الجاري بشرطين أساسيين، في ظل الضغوط السياسية الداخلية والخارجية المتزايدة.
وبحسب المصدر، فإن السوداني يعتزم إصدار أمر خلال منتصف الأسبوع المقبل بصرف رواتب موظفي الإقليم لكن بصيغة “قرض مؤقت” من الحكومة الاتحادية وخارج الحسابات المالية الرسمية الخاصة بالإقليم.
وأوضح المصدر أن الشرط الأول لصرف الرواتب هو إرسال تلك المبالغ كقرض وليس ضمن مستحقات الإقليم. بينما يتمثل الشرط الثاني في تشكيل لجنة عليا مشتركة بين أربيل وبغداد تتولى وضع حلول جذرية لأزمة الرواتب المتراكمة لسبعة أشهر من عام 2025، مع ضرورة التوصل إلى تفاهمات قبل حلول عيد الأضحى.
بدوره أكد القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني وفا محمد تقديم مقترح لإرسال الحكومة الاتحادية الأموال اللازمة لتمويل رواتب الموظفين عبر القروض من بعض الأطراف السياسية.
وأضاف: “نتطلع إلى إيجاد حل نهائي لهذه الأزمة لأننا نواجه خطر قطع رواتب الموظفين كل شهر”.
وبحسب البيانات الرسمية، فإن الحصة الإجمالية لإقليم كوردستان من الموازنة الاتحادية العراقية لعام 2023 والتي كان مفترضًا منحها لحكومة إقليم كوردستان كدفعات شهرية بلغت 16 تريليون و497 مليار دينار.
وعلى صعيد تمويل الإقليم كاستحقاق له في الموازنة والديون التي منحتها الحكومة الاتحادية لإقليم كردستان عام 2023، بلغ مقدار الأموال التي منحها الحكومة للإقليم حسب حصتها 998 مليار دينار.
المدفوعات الحكومية للإقليم خلال عام 2023 والتي تمت عبر خمس دفعات بلغت إجماليها 3 تريليونات و700 مليار دينار.
من جانبه أكد الخبير الاقتصادي محمود داغر أنه عدم تدفق الإيرادات العامة من النفط للحكومة الاتحادية يعطل صرف الرواتب.
وقال داغر: “استمرار صرف الرواتب هو نفقة عامة تستلزم تدفق الإيرادات العامة بما فيها النفط وغيره. وبالتالي فإن عدم قيام الإقليم بذلك يعطل الإيرادات ويؤثر سلباً على صرف الرواتب”.
وأوضح داغر أن الثروات النفطية تعود ملكيتها للشعب العراقي ولكن إدارتها خُولت للجهات المنتخبة بما يتوافق مع الدستور الذي يُلزم بأن تكون الموارد مثل النفط والكمارك والرقابة المالية ذات طبيعة اتحادية.
وأشار أيضًا إلى أنه يجب الالتزام بهذه الأسس لضمان علاقة متوازنة بين نمو الإيراد العام وتغطية الإنفاق العام وخاصةً فيما يتعلق بالرواتب.
وشدد داغر على أهمية التنسيق الوثيق مع منظمة “أوبك” لتحقيق استقرار الأسعار والكميات المنتجة للنفط وهو ما يجعل وزارة النفط محور إدارة هذه الثروة.
“`