Site icon السعودية نيوز

منع “تعدد القيادات” ومخاوف من غلبة الأمن على الشرطة

أعلنت وزارة الداخلية السورية مؤخرًا عن هيكلتها الجديدة، وذلك عقب تصريحات الوزير أنس خطاب في نيسان الماضي حول خطط الوزارة المستقبلية. وقد تولى الوزير حقيبته في آذار الماضي بتعيين من الرئيس السوري أحمد الشرع خلال المرحلة الانتقالية.

كان التغيير الأكثر بروزًا هو دمج جهازي الشرطة والأمن العام في جهاز واحد تحت مسمى “قيادة الأمن الداخلي في المحافظة”. هذا الجهاز الجديد يتولى قيادته قائد واحد يمثل وزير الداخلية في كل محافظة، ويتبع له مجموعة من المديريات المنتشرة عبر المناطق المختلفة التي تشكل الجغرافيا الخاصة بالمحافظة.

ترافق خطوات إعادة تنظيم وزارة الداخلية على الأصعدة المختلفة – بما في ذلك الأجهزة والبنية التحتية والرقمية والهيكلية الإدارية – مع تصريح واضح من وزير الداخلية، حيث أكد أن “الوزارة تعمل لضمان شعور الناس بالأمن وحمايتهم، وأن الأيام المقبلة ستظهر الوزارة بشكل جديد”.

فتح جزء الدمج هذا الباب أمام مخاوف وأسئلة حول تداخل الصلاحيات وخلط الأدوار، خاصةً مع التاريخ المظلم الذي شهدته وزارة الداخلية خلال حكم بشار الأسد. فقد تعرض دور الوزارة لتقليص كبير لصالح الأجهزة الأمنية، مما أدى إلى تغول هذه الأجهزة وتسلطها على الوزارة، بالإضافة إلى تدخلاتها الأمنية في مختلف القطاعات.

“تعدد الرؤوس”

بعد الحديث عن الدمج، أعلنت وزارة الداخلية أيضًا عن تعيين 12 قائدًا للأمن العام في 12 محافظة سورية باستثناء الرقة والحسكة. وهؤلاء القادة هم:

وأشار المتحدث إلى أن الهدف من الدمج هو معالجة القصور الموجود في العمل الشرطي وتعزيز القوة، بالإضافة إلى تقليل نفوذ الأجهزة الأمنية. وبالتالي، اعتبرت الوزارة أن الحل الأمثل يكمن في الدمج بين الهيئات المعنية بالأمن والشرطة.

 

في السياق السوري، لوحظ تداخل وتشابه بين عمل الشرطة والأجهزة الأمنية؛ إذ رُصد قيام الأمن الداخلي بإعادة المسروقات والقبض على السارقين كجزء من مهامه الشرطية. بينما كانت الشرطة تقوم بأعمال تتعلق بالأمن، مما يعزز فكرة أن الدمج يعد الخيار الأفضل لتحقيق التنسيق الفعال بين الطرفين.

نور الدين البابا

المتحدث باسم وزارة الداخلية

اعتبر المتحدث أن الدمج الحالي هو الخيار الأنسب نظراً لإمكانية إنشاء قيادة منفصلة للشرطة وأخرى للأمن لاحقًا. ومع ذلك، يبقى ما يهم خلال المرحلة الانتقالية هو وجود قرار موحد على المستوى الأمني وتجنب “تعدد الرؤوس” الأمنية أو القرارات داخل المحافظة الواحدة، كما ذكر المتحدث.

التنسيق والفاعلية

قبل سقوط النظام السابق، لم تشهد سوريا أي تنسيق فعلي بين العناصر الشرطية والأجهزة الأمنية. حتى أثناء تجربة إدلب التي كانت تحت سيطرة حكومة “الإنقاذ”، استمرت الشرطة بالتبعية لوزارة الداخلية بينما كان هناك جهاز آخر يعتبر نفسه مستقلاً بمهامه الأمنية وقد واجه انتقادات شديدة بسبب الانتهاكات التي ارتكبتها أفراده قبل أن يتم تحويل اسمه إلى “…” وينضم لوزارة داخلية الإنقاذ بحلول مارس 2024.

أضاف المتحدث أيضًا أن الدمج يحسن الاستجابة للحوادث ويسهل توزيع الموارد البشرية مما يسهل تبسيط الهيكل الإداري ويعزز الشفافية والمساءلة وغيرها من الإجراءات الضرورية لجعل العمل أكثر مرونة وبساطة.

ومع ذلك، فإن شعبان يرى أن من السلبيات المحتملة للدمج تكمن تحديدًا فيما يتعلق بتداخل الصلاحيات والمسؤوليات مما قد يؤدي إلى إرباك تنفيذ المهام؛ حيث يمكن أن تكون السلطة الأمنية أقوى من سلطة الشرطة المدنية مما يثير مخاوف بأن يغلب الطابع الأمني على الأعمال الشرطية بشكل عام.

وشدد الباحث على وجود تحديات التنفيذ؛ إذ يتطلب دمج جهاز الشرطة والأمن العام تدريب الكوادر بشكل جيد لمنع تداخل المهام وضمان فعالية الأداء العام للجهازين.

 

تتطلب المرحلة الانتقالية الحالية في سوريا سرعة العمل وسلاسة الإدارة؛ إذ سيساعد الدمج بين الشرطة والأمن تحت مظلة واحدة على تحقيق المساءلة والشفافية. ومع ذلك ، قد تظهر بعض السلبيات نتيجة هذه العملية ، مما يستدعي مراقبة دقيقة وآلية للدمج لضمان عدم حدوث تداخل للصلاحيات أو ضعف أداء أحد الأطراف أو مواجهة تحديات التنفيذ المختلفة.

نوار شعبان

باحث في الشؤون العسكرية

في الحالة السورية ، ارتبطت صورة الأجهزة الأمنية دائمًا بالقمع والتوحش ، وبرزت هذه الصورة أكثر خلال الثورة السورية عبر الممارسات الوحشية التي قامت بها الأجهزة الأمنية سواءً خلال أحداث الشارع أو داخل المعتقلات الخاصة بها. وهذا يجعل إعادة هيكلة تلك الأجهزة وعزلها عن التعامل مع المدنيين أولويات واضحة للسوريين وضرورية لبناء السلام بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية السورية ، وفق دراسة نشرها مركز “…” للباحث ساشا العلو عام 2019.

ذكر الباحث أنه منذ عام 1970 ، بدأت وزارة الداخلية السورية تعاني من عدة مشكلات حقيقية تفاقمت بمرور الزمن ، حيث شهدت تراجعًا تدريجيًا أدى إلى ظهور مشكلات جسيمة وعوائق أثرت سلباً على أداء الجهاز ورجاله .

وأضاف أنه كان هناك ثلاثة مستويات رئيسية للعوائق؛ الأول يتعلق بالإدارة والتشريع ويظهر عبر المركزية الشديدة واحتكار معظم الصلاحيات لدى وزير الداخلية بالإضافة إلى التحجم لمصلحة الأجهزة الأمنية وتغول شعبة الأمن السياسي واشتراط الانتساب البعثي ونقص العلاقات الودية مع المجتمع المحلي وتعقيدات الهيكل التنظيمي وانتشار الفساد .

أما المستوى الثاني فكان يتعلق بالكادر البشري ومشكلاته مثل نقص الكوادر المؤهلة وتعيين ضباط غير مؤهلين (يحملون فقط شهادة الثانوية) والذي أدى إلى تدهور خبراتهم القانونية اللازمة لأداء العمل بشكل فعال ونقص التدريب وانتشار المحسوبيات والطائفية وضعف العلاقة مع القضاء .

أما المستوى الثالث فتمثل بالعوائق المتعلقة بالموارد المادية واللوجستية والتي تشمل ضعف الإمكانيات المالية والتقنية وأساليب التحقيق البدائية وقلة الرواتب المدفوعة للعاملين وفق الدراسة المذكورة .


Exit mobile version