ترامب يرسم ملامح شرق أوسط مبتكر من بوابة سوريا

ترامب يرسم ملامح شرق أوسط مبتكر من بوابة سوريا

“زمن التدخل الغربي في سوريا والشرق الأوسط انتهى، وتقسيم سوريا في الماضي كان خطأ كبيرًا”، هذه التصريحات غير المسبوقة لمبعوث ترامب إلى سوريا تعكس التوجه الأمريكي نحو شرق أوسط جديد، حيث تكون سوريا هي المنطلق لهذا التغيير.

وفي حديثه عبر منصة “إكس” في 25 مايو الماضي، أكد المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس باراك، أن مأساة سوريا ناتجة عن الانقسام، وأن الطريق لإعادة بناء البلد يجب أن يبدأ من الكرامة والوحدة والاستثمار في شعبها.

كما أضاف باراك أن الغرب قد فرض قبل قرن خرائط وحدودًا مرسومة بالحبر وحكمًا أجنبيًا، مشيرًا إلى أن اتفاقية “سايكس- بيكو” كانت وراء تقسيم سوريا والمنطقة المجاورة لتحقيق مكاسب إمبريالية، وليس من أجل السلام. واعتبر أن هذا الخطأ قد كلف أجيالًا بأكملها، مؤكدًا أنه لن يتم تكرار هذا الخطأ مجددًا.

بالإضافة إلى “سايكس- بيكو”، يرى باراك أن صعود “الحرس الثوري” الإيراني قبل أربعة عقود هو ما أدى إلى الانقسام الطائفي في المنطقة. ويشير إلى أن مصلحة حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك مصر والأردن وفلسطين وإسرائيل، تكمن في إنهاء هذه الانقسامات؛ لأن ذلك سيوفر توازنًا مقابل “الحرس الثوري الإيراني” والطموحات الإقليمية المدعومة من روسيا.

سوريا “بوابة السلام”

وشدد باراك على موقف الولايات المتحدة الذي يدعم تركيا ودول الخليج وأوروبا، مؤكدًا أن هذه المرة ليس من خلال الجنود أو إلقاء المحاضرات أو رسم الحدود الوهمية بل بجانب الشعب السوري نفسه.

وأوضح باراك أنه مع سقوط نظام الأسد أصبح باب السلام مفتوحًا. وأضاف: “من خلال رفع العقوبات، سنتيح للشعب السوري فرصة فتح ذلك الباب واكتشاف طريق نحو ازدهار وأمان جديدين”.

من جهتها، أكدت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية أنه قبل حوالي 20 عامًا وبعد أحداث 11 سبتمبر، اعتُبر الشرق الأوسط “ساحة معركة دائمة للفوضى الإسلامية”. وقد بدت المنطقة غارقة بين الحركات السنية المتطرفة مثل “القاعدة” والثوار الشيعة مثل “حزب الله” ووكلاء إيران.

ورغم أن السلام كان بعيد المنال آنذاك، إلا أنه بحلول عام 2025 لا يبدو الشرق الأوسط كما تخيله العالم بعد تلك الأحداث، كما ذكرت الصحيفة.

وأشار عبد النور إلى أن الهدف من سياسة ترامب الجديدة هو إنهاء الحروب وإحلال السلام وتحقيق التنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط. وهذا يفتح المجال أمام الولايات المتحدة وشركاتها للمشاركة في عملية التنمية وتحقيق مكاسب اقتصادية؛ لذا فإن الإدارة الأمريكية تسعى لدعم الإدارة السورية الجديدة لتحقيق هذا الهدف.

ترامب يدعم نموذجًا إسلاميًا جديدًا

التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في الرياض. وقد وصف ترامب هذا اللقاء بأنه “عظيم”، مما يشير إلى تغيير جذري في موقفه تجاه الشرع الذي كان يعتبره سابقاً شخصاً “إرهابياً” عندما كان يتزعم “هيئة تحرير الشام”.

على متن الطائرة متوجهًا إلى قطر يوم 14 مايو الماضي، قال ترامب إن “الشرع قائد حقيقي قاد الثورة وهو مذهل”، مضيفاً أن الرئيس السوري “شاب جذاب ومقاتل له تاريخ قوي جداً ولديه فرصة حقيقية للحفاظ على وحدة سوريا”.

ويعتقد أيمن عبد النور أن النموذج الذي ينفذه ترامب في سوريا يعتمد على الإسلام المحافظ أو ما يعرف بـ”السلفية الجهادية الوطنية”، التي تتعارض مع السلفية الجهادية العالمية العابرة للحدود. وإذا نجح هذا النموذج فسوف يقوم ترامب بتطبيقه في مناطق أخرى حول العالم.

كما أضاف عبد النور أن ترامب يؤمن بضرورة تغيير السلفية الجهادية الوطنية لتؤمن بمبدأ الشريعة الإسلامية والجهاد داخل حدود سوريا فقط. وقد تغيرت أفكار الجماعات الجهادية مثل “جبهة النصرة” و”هيئة تحرير الشام” مع مرور الوقت وتفاعلاتها مع المجتمع المحلي.

بدوره، أكد مركز للدراسات على تسارع الخطوات الأمريكية نحو تطبيع العلاقات مع سوريا بعد اللقاء بين الرئيس الشرع وترامب في الرياض.

وقد أعلن ترامب من الرياض رفع العقوبات عن سوريا وتعيين السفير الأمريكي لدى تركيا توماس باراك مبعوثاً خاصاً إلى سوريا. بدأت مهمته بلقاء الرئيس الشرع في إسطنبول ثم جولة شملت الرياض وعمان ودمشق حيث رفع العلم الأمريكي فوق مقر إقامته بحضور وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني.

تزامنت هذه الإجراءات مع لقاء آخر مع الرئيس الشرع في قصر الشعب وحضور مراسم توقيع عقود لإنشاء محطات توليد الكهرباء لشركات قطرية وتركية وأمريكية بقيمة 7 مليارات دولار لتلبية احتياجات الطاقة الكهربائية لسوريا تقريباً بالكامل.

رافق ذلك تصريحات إيجابية من الرئيس الأمريكي تجاه الحكومة السورية والدعوة لعدم التدخل بشؤونها ومنحها الفرصة للاستقرار والنمو واستعادة وضعها الطبيعي عالميًا. كما تم الإعلان عن رفع اسم سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب التي وضعت عليها منذ عام 1979.

تمثل هذه الخطوات نهاية لفصل تاريخي من العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وسوريا وتفتح صفحة جديدة تدعم الحكومة السورية الجديدة بعد انهيار نظام بشار الأسد وتعزز الاحترام وعدم التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية.
وتمكينها من ترتيب شؤونها الداخلية دون دعم طرف معين ضد آخر.

ويرى مركز “جسور” أنه بعد سقوط نظام الأسد أصبحت جميع الظروف مواتية لتحقق مشروع الاستقرار والنمو للمنطقة عبر إدماج سوريا فيه. إذ يبدو الدور الإيراني ضعيفاً للغاية والتفاهمات العربية التركية تسير نحو مسار إيجابي.

إلى جانب ذلك، أعلنت الحكومة الجديدة عن فك ارتباطها بإيران بشكل جذري وتحديد سياستها بالانضمام للمحور العربي الغربي على حساب المحور الإيراني الروسي. كما شهدت العلاقات التركية الأمريكية تحسنًا ملحوظاً بعد الأزمات التي واجهتها خلال فترة الرئيس السابق بايدن.

واشنطن تعرقل الخطط الإسرائيلية

نشرت صحيفة إسرائيلية تقريراً تناول خطاب الرئيس ترامب الأخير الذي ألقاه بأكاديمية “ويست بوينت” العسكرية والذي يعكس بوضوح فلسفة انسحاب تقوم على تجنب الحروب البعيدة وتفويض الشركاء الإقليميين بتحمل مسؤوليات الأمن والاستقرار.

واعتبرت الصحيفة أن سوريا أصبحت نموذجاً عملياً لهذه العقيدة حيث رفع ترامب العقوبات عن الحكومة السورية الجديدة مقابل تعهدات لم تُنفذ بعد. بينما تسعى الولايات المتحدة لتطبيق نموذج مماثل في لبنان وسط شكوك بشأن فعالية هذا النهج لمواجهة تهديدات مثل حزب الله أو إيران.

صرّح ترامب بأن سوريا ستنضم لاحقاً إلى اتفاقيات “أبراهام”، وهي إحدى النقاط الرئيسية التي طرحها خلال لقائه بالرئيس السوري حيث أبدى الأخير موافقة مبدئية لذلك.

ربط ترامب دخول سوريا ضمن الاتفاقيات باستقرار الوضع الداخلي وتنظيم البيت الداخلي وفق ما ورد بوسائل الإعلام الأمريكية بما فيها CNN.