تنظيم “الدولة” يشتد على جبهتين في سوريا

تنظيم “الدولة” يشتد على جبهتين في سوريا

عاد تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى استئناف بعض أنشطته خلال الأسابيع الأخيرة، موجهاً هجماته نحو الحكومة السورية و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بأساليب مختلفة.

كان الهجوم على “قسد” عسكرياً مباشراً، حيث شُنّت اعتداءات على نقاطها، وتركزت هذه الهجمات في الأيام الأخيرة في ريف دير الزور الشرقي، القريب من البادية السورية التي تنشط فيها خلايا التنظيم.

أما بالنسبة للهجمات على الحكومة السورية، فقد اتخذت شكلًا مختلفًا، إذ لم تتعرض لهجوم مباشر. بل قام التنظيم بتأسيس خلايا له داخل المدن، مما يهدد بتنفيذ ضربات محتملة، خاصة بعد الدعوات المتكررة من التنظيم للمقاتلين الأجانب للانضمام إليه.

خلية في حلب

أحدث مواجهة بين الحكومة السورية وتنظيم “الدولة” حدثت في حي الحيدرية، في أحياء حلب الشرقية، في 17 مايو الحالي. أسفرت هذه المواجهة عن مقتل عنصر من التنظيم واعتقال أربعة آخرين، بالإضافة إلى مقتل عنصر من الأمن العام.

أعلنت وزارة الداخلية أنها تمكنت من اقتحام الموقع، وضبط عبوات ناسفة وسترة مفخخة والعديد من البدلات الخاصة بقوى الأمن العام التي كانت بحوزة أفراد الخلية.

في منشور آخر، أكدت الوزارة عزمها على مواصلة العمليات لتحديد مواقع العناصر المتبقية، مما يدل على أنها لم تتمكن من القبض على جميع أفراد الخلية بعد.

تغير في التكتيك

يرى الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، عرابي عرابي، أن تنظيم “الدولة” قد زاد من نشاطه الأمني والإعلامي في سوريا، مُستغلًا الفراغات الأمنية الناجمة عن تفكك النظام السوري السابق والتجاذبات بين القوى في المنطقة الشرقية.

ويُظهر هذا النشاط استعداد التنظيم لإعادة التموضع ضمن المشهد ما بعد الأسد.

مرحلة جديدة.. افتتاحية “النبأ”

هذا الاتجاه يتعزز من خلال ما جاء في افتتاحية “النبأ” الأخيرة، التي شنت هجوماً “حاداً” على الحكومة الانتقالية، وُصِفَ بأنه خطاب تعبوي يُشير إلى بدء مرحلة جديدة من المواجهة.

تزامنت حادثة حي الحيدرية في حلب مع هجوم التنظيم على الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، عقب اجتماعه مع نظيره الأمريكي، دونالد ترامب.

وفقًا للافتتاحية، باتت الصورة أوضح حول الخلاف العقائدي للرئيس الشرع مع تنظيم “الدولة”، حيث اتهمه التنظيم باستبدال “ملة إبراهيم” (في إشارة إلى الإسلام) باتفاقيات “أبراهام”.

كما اعتبر التنظيم أن هذه الاتفاقيات هي تنازلات تهدف لجلب الرضا الأمريكي واليهودي، واعتبرها صفقات خاسرة، مؤكداً أن الشرع استغلها ليحصل على الرئاسة، لكنه فقد دينه وشرفه.

دعا التنظيم المقاتلين الأجانب في وزارة الدفاع السورية للانضمام إلى خلاياه في الأرياف، معتبرًا أنهم قد استُغلوا لخدمة مشروع الشرع.

على “قسد”

في شمال شرق سوريا، تمتلك تنظيم الدولة مساحة حركة أكبر نظرًا لقرب المنطقة من البادية وسط سوريا، والتي تمثل ملاذًا لخلاياه.

أحدث هجمات التنظيم، حتى وقت كتابة هذا التقرير، كانت في بلدة البحرة بناحية هجين شرقي دير الزور، بتاريخ 19 مايو، وأسفرت عن مقتل أحد عناصر “قسد” وإصابة آخر.

أوضحت “قسد” عبر موقعها الرسمي أن الهجمات المتعددة من التنظيم على نقاطها العسكرية “تعكس الحجم الكبير للتحديات التي تواجهها، وتبرز أهمية عملها في محاربة جذور الإرهاب وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة”.

وأكدت أنها تظل ملتزمة بمكافحتها لتنظيم “الدولة”، مشيرة إلى أنها تبذل “جهودًا مضنية” في حربها ضد الإرهاب.

يرى عرابي أن هذه الهجمات المتزامنة على مواقع “قسد” في دير الزور تعكس قدرات التنظيم ورغبتها في استغلال أقصى طاقة من شبكاته.

كما يبدو أن تنظيم “الدولة” يسعى لاختبار حدود الردع الأمني الجديد، حسبما ذكر عرابي.

ينظم صفوفه

في 9 من أبريل الماضي، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن التنظيم قد أظهر نشاطًا متجددًا في سوريا واستعاد بعض قوته، حيث استقطب مقاتلين جدد وزاد عدد هجماته، حسب معلومات حصلت عليها من مسؤولين في الأمم المتحدة والولايات المتحدة، مما يزيد من خطورة عدم الاستقرار في البلاد.

وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم أن تنظيم “الدولة” لا يزال بعيدًا عن مستوى قوته التي كان عليها قبل عشر سنوات عندما سيطر على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق، فإن هناك تحذيرات من أنه قد يجد وسيلة لتحرير الآلاف من مقاتليه المتمرسين المحتجزين في سجون “قسد”.

قدّم كبار مسؤولي الاستخبارات الأمريكية في مارس الماضي تقييمهم السنوي للتهديدات العالمية، وخلصوا إلى أن تنظيم “الدولة” سيحاول استغلال أي انهيار في نظام الأسد لتحرير السجناء واستعادة قدرته على التخطيط وتنفيذ الهجمات.

قال عرابي إن هذه التحذيرات الغربية تؤكد أن التنظيم لا يزال يحتفظ بقدرات كامنة ويعيد تنظيم صفوفه بهدوء، وذلك في محاولة للظهور كفاعل رئيسي في المعادلة السورية المستقبلية.

لجنة رباعية لبحث مصير سجناء تنظيم “الدولة” بسوريا

في 22 مايو، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تشكيل لجنة بين تركيا وأمريكا وسوريا والعراق لمناقشة مصير عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” داخل معسكرات الاعتقال شمال شرق سوريا.

اعتبر أردوغان، وفقًا لوكالة “رويترز”، أنه “يتعين على الحكومة السورية التركيز على اتفاقها مع “قسد”، الذي ينص على دمج الأخيرة في القوات المسلحة السورية.”

تدير “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) سجونًا تحتوي على عناصر لتنظيم “الدولة” يُقدّر عددهم ما بين 9000 و10000 مقاتل.

كما تدير مخيمات (معسكرات احتجاز) تضم نحو 40 ألفًا من أفراد التنظيم وعائلاتهم في شمال شرقي سوريا، مثل مخيم “الهول” و”روج”.