دمشق تحقق إنجازات في ملف “الكبتاجون”

دمشق تحقق إنجازات في ملف “الكبتاجون”

ملف “الكبتاجون” يعد من أكثر القضايا تعقيدًا في الساحة السورية، ولا يزال يحتل مركز الصدارة في المناقشات الدولية، حتى بعد انهيار نظام الأسد الذي كان يشكل الراعي الرسمي لهذه التجارة. إذ لعب النظام السابق دورًا محوريًا في تعزيز انتشار الكبتاجون في المنطقة العربية، خاصة في الدول المجاورة، حيث أصبح وسيلة لتهريبه إلى الخليج العربي ومناطق أخرى.

ووفقًا لمعهد “New Lines”، كان إنتاج الكبتاجون في سوريا متسقًا ومنظمًا، حيث شاركت فيه العديد من الجماعات المسلحة والميليشيات، بما في ذلك “حزب الله”، الذي يمتلك أيضًا عمليات إنتاجية في لبنان.

أظهرت التقديرات أن قيمة الكبتاجون المضبوط، معظمها من إنتاج سوري، بلغت حوالي 56 مليار دولار بين عامي 2020 و2023. ومن بين هذه القيمة، يُعتقد أن الكيانات المرتبطة بالنظام في سوريا تستفيد بما يُقارب 1.8 مليار دولار سنويًا، وهو مبلغ يعادل تقريبًا ضعف الإيرادات الناتجة عن جميع الصادرات السورية القانونية في عام 2023.

توتر العلاقات السياسية

أثر ملف “الكبتاجون” بشكل كبير على العلاقات السياسية بين سوريا والدول العربية، وخاصة دول الخليج، خلال فترة حكم الأسد، حيث كانت سوريا تُعتبر من بين الدول الرائدة في تصدير الكبتاجون إلى تلك الدول عبر ممرات حدودية مثل الأردن والعراق.

ولكن بعد سقوط النظام، أظهرت السلطات الجديدة رغبة قوية في مكافحة صناعة وتجارة الكبتاجون، مما ساهم في تهدئة مخاوف دول الخليج وغيرها من هذا الملف.

برأي الباحثين، تبدي الحكومة الجديدة في سوريا اهتمامًا كبيرًا بالملف وتظهر جدية في التعامل معه، نظرًا لما يفرضه من ضغط على دول الخليج والأردن بشكل خاص. ومع ذلك، هناك اعتراف متزايد في دول الخليج بأهمية استقرار الحكومة الجديدة في سوريا، حيث يُنظر إلى توفير ظروف الاستقرار كخطوة أساسية تُسهم في إنهاء هذه التجارة التي تضر بالمنطقة.

ولا يعني ذلك أن اهتمام دول الخليج تقتصر فقط على القضاء على مشكلة الكبتاجون، بل إن استقرار سوريا سيؤثر بشكل إيجابي على استقرار المنطقة ككل، مما يدفع هذه الدول إلى دعم السلطة الجديدة، حيث إن الفوضى في سوريا سيكون لها عواقب سلبية كبيرة على الجوار والأمن الإقليمي.

عقوبات ومسارات قانونية

بتأثير مشاركة النظام السابق في صناعة الكبتاجون، أقر مجلس النواب الأمريكي في عام 2022 قانونًا يهدف لتعطيل إنتاج وتجارة المخدرات.

كما ساهم ملف “الكبتاجون” في زيادة العقوبات الاقتصادية الموجهة نحو سوريا. ومع رحيل النظام، دعمت الأوساط الحقوقية والمنظمات الدولية رفع هذه العقوبات.

طالبت الجهات المحلية والدولية بمحاسبة المتورطين في ملف “الكبتاجون” قانونيًا، بما في ذلك المسؤولين عن النظام السابق، نتيجة الآثار الصحية والاجتماعية والأمنية που تسببت بها هذه التجارة.

إضافةً إلى ذلك، فإن المطالبة بالمحاسبة ليست مرتبطة فقط بالجرائم المرتبطة بالمخدرات بل لها تبعات ضخمة على الصحة العامة وأمن المجتمع. وأكد الدكتور تبارة على ضرورة محاسبة أولئك الذين يقفون وراء هذه الشبكات، مشيرًا إلى أن الأموال المتأتية من هذه التجارة كانت تُستخدم لتمويل العديد من الأعمال الإجرامية الأخرى.

ويرى أنه ينبغي أن تكون المقاربة أكثر شمولًا بحيث لا تقتصر فقط على الجوانب الجنائية المتعلقة بمكافحة المخدرات، بل أن تشمل هذه الشبكات كجهات منتهكة لحقوق الإنسان ومُعذِّبَة للشعب السوري.

عمل الحكومة كخطوة أساسية

منذ سقوط الأسد، تتواصل جهود الكشف عن معامل صناعة الكبتاجون، حيث تعمل وزارة الداخلية السورية بجد على ضبط وملاحقة المهربين والمنتجين. وتشمل هذه الجهود مصادرة وإتلاف كميات كبيرة من الحبوب المخدرة، بالإضافة إلى القبض على المروجين والمهربين.

المجتمع الدولي لا يزال يراقب تطورات الإدارة الجديدة في سوريا بخصوص محاربة هذه الصناعة وتجارة المخدرات.

وفي هذا الصدد، اعتبر الدكتور ياسر تبارة أن التحديات أمام الإدارة الجديدة هائلة، سواء على مستوى الصحة العامة أو المساءلة الجنائية وضبط الحدود وملاحقة الشبكات الاقتصادية المرتبطة بهذه التجارة. فمن الواضح أن هذه الشبكات تتداخل مع قضايا الإرهاب الدولي، وغسيل الأموال، وتهريب الأسلحة، مما يتطلب من الحكومة التركيز على الجانب الأمني في التعامل مع هذه التحديات.

يعتقد تبارة أن معالجة ملف “الكبتاجون” في سوريا تحتاج إلى استراتيجية متكاملة، تأخذ في اعتبارها تنمية اقتصادات بديلة لمنح هذه الشبكات فرصًا جديدة. ويتطلب ذلك دعمًا إقليميًا ودوليًا، بالإضافة إلى رفع العقوبات عن سوريا، وهو أمر بدأ يلوح في الأفق مؤخرًا.

كما أشار إلى الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه هيئات ومؤسسات المجتمع المدني، خاصة السورية، والتي عملت خلال السنوات الخمس عشرة الماضية على تغطية الاحتياجات الملحة.

وفي النهاية، يرى الباحث محمود علوش أن إبداء الحكومة الجديدة جديتها في معالجة ملف “الكبتاجون” يعزز من مصداقيتها أمام المجتمع الدولي، ما يشكل حافزًا للدول الأخرى لدعم هذه الحكومة، حيث تعتبر هذه الخطوات فرصة كبيرة لمواجهة التحديات الناجمة عن الصراع في سوريا وتأثيراته على المنطقة.